على مر التاريخ .. هناك محطات فارقة وشخصيات قيادية، تعرف جيدًا كيف تصنع الأحداث وتضع دولتها على طريق النهضة والتقدم .. ليس داخليا فحسب .. وإنما على المستوى العربي والدولي أيضا. ومهما مرت السنين يظل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان .. رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل.. علامة فارقة وشخصية متفردة فى طبيعتها القيادية.. حكيم العرب ومحبوب المصريين. الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأول من نادى بإقامة اتحاد بين إمارات الساحل الخليجى كى تكون قادرة على مواجهة التحديات الجديدة بعد الجلاء البريطانى. ولد الشيخ زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان بن فلاح الياسى، عام 1918 م، فى أبوظبى بقصر الحصن، الذى كان والده الشيخ سلطان بن زايد قد بناه فى عام 1910 م، وهو الابن الرابع، وله ثلاثة من الأخوة الذكور هم: شخبوط، وهزاع، وخالد، وله أخت واحدة، ووالدته هى الشيخة سلامة بنت الشيخ بطى بن خادم بن نهيان آل حامد القبيسى. تولى الشيخ زايد حكم العين عام 1946 ولم تكن ندرة الماء والمال وقلة الإمكانيات حجر عثرة أمام تطوير المدينة بفضل التوجهات فقد افتتحت في عام 1959 أول مدرسة بالعين حملت اسم المدرسة النهيانية كما تم إنشاء أول سوق تجاري وشبكة طرق ومستشفى طبي ،ولعل أبرز ما تحقق في تلك الفترة الصعبة من تاريخ مدينة العين القرار الذي أصدره الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والقاضي بإعادة النظر في ملكية المياه وجعلها على ندرتها متوفرة للجميع بالإضافة إلى تسخيرها لزيادة المساحات الزراعية. يعد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 1971 إلى 2004 وقائدا أعلى للقوات المسلحة وحاكما لإمارة أبو ظبي من 1966 إلى 2004. وكان له الفضل في اتحاد الإمارات لتصبح دولة الإمارات العربية المتحدة فقد بدأت اتحادا بين إماراتيهما أبو ظبي ودبي، على أن يدعي باقي حكام الإمارات لهذه الوحدة، فلبوا في 2 ديسمبر من 1971، وكان لدى الشيخ زايد والشيخ جابر الأحمد الصباح أيضا توجه وحدوي بدأ بفكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتحقق ذلك في 25 مايو 1981 في أبوظبيبالإمارات العربية المتحدة. يعد الشيخ زايد، عروبياً بمعنى الكلمة، كانت له وقفاته التى لا تنسى مع مصر والمصريين على مدى عقود طويلة من الزمن، فلم تتوقف إنجازات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة عند الحدود الجغرافية للدولة التى أرسى دعائم نهضتها وتقدمها، بل امتدت إلى كثير من دول العالم، وبخاصة مصر التى أوصى بها خيراً، تاركاً أثراً طيباً فى مصر، حيث تعددت مشاريع كثيرة منها بناء عدد من المدن السكنية واستصلاح عشرات الآلاف من الأراضى الزراعية، وإقامة قرى سياحية وتقديم الدعم المادى لعدد من المراكز الطبية والمؤسسات الثقافية، لتحمل مساهماته طابعاً قومياً وإنسانياً، وظلت إنجازاته فى مصر شاهد عيان على تاريخ من المحبة بين البلدين، وشاهداً على حب عميق من جانب زايد لمصر وشعبها. فى حرب أكتوبر 1973 كان الشيخ زايد فى زيارة إلى بريطانيا، لم يتردد الرجل فى إعلان دعمه الكامل، ووقوفه فى الخندق الأمامى، قرر دعم الحرب بكل ما يملك، قدم ما فى خزينة بلاده، ثم اقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية من البنوك الأجنبية ليقوم بإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا. وقال كلمته الخالدة:"ليس المال أو النفط العربى أغلى من الدماء العربية"، التى لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم فى جميع الأوساط بلا استثناء. وكان دوماً يردد خلال اللقاءات مع القادة العرب ويقول "عندما تبدأ المعركة مع إسرائيل، فسوف نغلق على الفور صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبداً. عندما سئل الشيخ زايد فى هذا الوقت من أحد الصحفيين الأجانب: ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟ لم يتردد العروبى الأصيل فى أن يقول "إن أكثر شىء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتى، وسأضحى بكل شىء فى سبيل القضية العربية، إننى رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله". كان الشيخ زايد منحازاً دوماً إلى مصر، وحتى عندما قوطعت مصر بعد قمة بغداد بسبب اتفاقية كامب ديفيد، قال مقولته الشهيرة: "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأى حال أن تستغنى عن الأمة العربية"، وظل على تواصله مع مصر رغم مقاطعة الآخرين. في 2 نوفمبر عام 2004، انتقل الشيخ زايد – رحمه الله- إلى جوار ربه، وكان يومًا حزينًا بكته كل الدول العربية، وبكاه كل محب للإنسانية والسلام فى العالم.