خلال السنوات الماضية، كشف بعض المواطنين قضايا فسادوبعضهم لم يجد الحماية الكافية من جراء بطش الفاسدين، فماذا فعلت الجهات الداخلية لتفعيل نصوص اتفاقية الاممالمتحدة وما هي الاحكام القانونية في حال تعسف جهة العمل مع المبلغ؟ وهل لدي هؤلاء الشهود حقوق يكفلها الدستور؟ قبل الخوض في التفاصيل نوضح ان المادة 23 من اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد تلزم كل دولة وقعت عليها ان تتخذ الاجراءات المناسبة وفقا لنظامها القانوني وضمن حدود امكانياتها لتوفير حماية فعالة للشهود والخبراء الذين يدلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية وايضا لاقاربهم والاشخاص وثيقي الصلة بهم من أي انتقام او ترهيب محتمل! غياب القانون يقول حسين محمود الباحث القانوني بوحدة الحوكمة ومكافحة الفساد بمركز العقد الاجتماعي بمجلس الوزراء ان الوحدة قامت بعمل دراسة حول الاطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الفساد وخاصة الاداري في مصر والتركيز علي الثغرات الموجودة التي تحول دون نجاح الاجهزة في محاربة الفساد، فوجدت نتائجها بأن عدم معرفة كثير من المواطنين باجراءات الابلاغ عن الفساد يعوق حماية المجتمع من مثل هذه القضايا، مما يستوجب زيادة الوعي لدي المواطنين للكشف عن وقائع فساد. ويضيف الباحث القانوني ان هناك نسبة ضئيلة تعرف كل الجهات الرقابية العاملة في مجال مكافحة الفساد، وأن ثقة المواطن في القضاء ووسائل الإعلام واللذين يعدان أهم الجهات التي تكافح الفساد، هما مصدر الثقة لهم عند اللجوء للإبلاغ عن أي قضية فساد، مشيرا إلي انعدام نظام حماية فعال للمبلغين عن الجرائم في القانون المصري. حق مشروع ويوضح محمد الشافعي مساعد رئيس هيئة الرقابة الإدارية قائلا ان الدستور المصري كفل حق الشكوي لجميع المواطنين، ومن هنا يأتي دور الهيئة في فحص كل ما يرد إليها من شكاوي او بلاغات سواء التي تتلقاها بالبريد العادي او الالكتروني ويتم فحصها، والاصل في فحص هذه الشكاوي هو ان تضم وقائع محددة ومستندات وجميعها تعامل بسرية تامة وتأمين المبُلغ او الشاكي. ويشير الشافعي إلي أن الرقابة الإدارية تطبق قواعد الأممالمتحدة في المحافظة علي سرية وحماية الشهود والمبلغين سواء في جرائم المال العام او الفساد ومن ثم عمل التحريات الخاصة بها، مضيفا ان القانون لا يلزم رجل الضبط القضائي بالإبلاغ عن مصدره. أمر واجب ويري المستشار الدكتور خيري الكباش رئيس محكمة استئناف الاسكندرية أن حماية الشاهد أو المبلغ في قضايا الفساد هي أمر واجب حتي دون وجود أي نصوص قانونية، ولكن بعد ان قامت مصر بالتصديق علي اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد فوجب علينا تنفيذ ما جاء بها من نصوص بما يتفق مع النظام القانوني الداخلي. ويضيف الكباش ان حماية المبلغين هي حق مشروع ولا يجب ان يضار أي مواطن جراء ابلاغه عن وقائع فساد، فلكل فرد حق في مخاطبة السلطات العامة وبتوقيعه والإبلاغ عن أي أمر مخالف للقانون، ومن ثم توفر له الحماية القانونية والجنائية. الحماية الجسدية ويتفق معه علاء قطب المستشار القانوني لوزارة التنمية الإدارية قائلا إن حق الشكوي مكفول بالدستور الذي يمكن للمواطن ممارسته، مشيرا إلي ان توقيع مصر علي اتفاقية الاممالمتحدة يلزمها بالنصوص القانونية وتنفيذها تبعا للنظام الداخلي، ويتم حماية المبلغين عن قضايا الفساد من خلال ارساء إجراءات لتوفير الحماية الجسدية لهؤلاء، فيمكن تغيير أماكن إقامتهم والسماح لهم بعدم افشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم أو أماكن تواجدهم، لضمان سلامتهم كما يمكن السماح بشهادة المبلغ عن طريق استخدام تكنولوجيا الاتصالات دون ظهوره علنا. ويضيف قطب بالرغم من أن التشريعات المصرية وتعليمات النيابة العامة تضمنت العديد من الضمانات لحماية الشهود والمبلغين بعد الادلاء بشهاداتهم ومن هذه الضمانات ما يتعلق بأداء الشهادة من مرحلة التحقيق والمحاكمة إلا أن هناك ضرورة لسن قانون لحماية المبلغين والشهود عن وقائع الفساد المجتمعي وعدم كتم الشهادة والاسراع بالابلاغ مع توفير الدولة والاجهزة المعنية جميع الضمانات للمبلغ وحمايته من مرتكبي جريمة الفساد. القضاء مظلة الحماية يقول اللواء سراج الروبي مفتش مباحث القاهرة ومدير الانتربول الأسبق بوزارة الداخلية: عندما نتحدث عن توفير ضمانات الحماية الخاصة بالمبلغ أو الشاهد فان الجهة الوحيدة التي يمكن أن تحميه وفقا للعقل والمنطق هي السلطة القضائية بما تصدره من أحكام والتي تعد المظلة الحقيقية للحماية القضائية وانصاف للموظف المبلغ. ولكننا للأسف نري أن الموظف الشاهد والذي يتعرض لمشاكل بعد كشفه لوقائع فساد يضطر للوقوف في ساحة العدالة لحمايته. وبعد طول عناء في المحاكم ويتكبد فيها الشاهد كل غال ونفيس ثم يصدر الحكم لصالحه وترفض الجهات المسئولة تنفيذ هذا الحكم وتماطل عن طريق الطعون. وقد تظل هذه المماطلة حتي يتخطي الشاهد سن المعاش ويكون التنفيذ علي الورق حيث يصدر الحكم بعودته لعمله وفي نفس الوقت يصدر قرار باحالته إلي المعاش! واذا لم نحترم أحكام القضاء فسيتحول المجتمع كله إلي غابة تأكل فيها الضباع كل أخضر ويابس. ويحدد الروبي عددا من الضمانات لحماية الشهود منها: توفير الحماية من البداية فلا يصبح الشاهد معروفا للعامة خاصة رئيسه الذي ابلغ ضد تصرفاته وفساده. ينقل الشاهد إلي إدارة أخري بعيدة عن الإدارة المبلغ عنها. لابد من مكافأة الشاهد الذي ثبت أنه أقام الدليل علي صحة اتهامه وبلاغه.. ولا يشترط الاعلان عن هذه المكافأة التي يجب أن تبقي سرية. ويجب ألا يكون هناك استدعاء رسمي للموظف الشاهد صاحب البلاغ عن الفساد بطريق علني حتي لا يتم حرقه أمام إدارته كما يتم عقد دورات تدريبية لموظفي الدولة لتدريبهم علي كيفية التعامل مع أوجه الفساد المختلفة. وتحديد قنوات المكافحة لهم حتي يستطيعوا تقديم بلاغاتهم في هدوء دون صخب . مصر بلد الأمان المستشار فتحي رجب وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشوري يري من وجهه نظره أن برنامجا لحماية الشهود مثل الموجود في الولاياتالمتحدة لن يكافح الفساد في مجتمعنا الذي يوجد به حاليا ترسانة من القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان بداية من الدستور ومرورا بجميع التشريعات التي تعطي الشاهد حماية وحصانة.. ولكن في سبيل الحرب علي الفساد بأشكاله المختلفة وبأساليبه الحديثة والذي بات ينخر في المجتمع فأري أن يتم تفعيل قانون الكسب غير المشروع وأن تقوم الرقابة الإدارية وهو جهاز رقابي رفيع المستوي بالتوسع في ضبط قضايا الرشوة والاختلاس أو تسهيل الاستيلاء علي المال العام والاضرار به. وأن تنشيء وزارة الداخلية شرطة أمنية متخصصة لحماية الشهود. فلا يكفي أن اعفي الراشي أو الوسيط المعترف من العقاب كي اشجعه علي الابلاغ. فالحقيقة أن هذا الوسيط أو الراشي يعاني الأمرين بعد تقديمه اعترافه وذلك لحين ان تقضي المحكمة باعفائه من العقاب. بل قد يظل هذا الشخص رهن الحبس سنوات. ويضيف المستشار فتحي رجب بأننا يمكن أن نحذو حذو ما تقوم به الولاياتالمتحدة بتطبيق برنامج حماية الشهود. وذلك بتنفيذه في مصر ويقوم عليه جهاز مشترك لتوفير هذه الحماية ويتكون هذا الجهاز من الرقابة الإدارية والشرطة والقضاء حيث يتم توفير مكان آمن للشاهد لحين الفصل في القضية ويتم خلال هذه الفترة تعيين حراسة عليه لحمايته. كذلك يتم الضغط علي الجهة التي ينتمي إليها لاعادته لعمله. المبدأ.. محاربة الفساد الاتجاه لحماية الشاهد في قضايا الفساد أمر حيوي للقضاء ومحاربة الفساد هذا هو المبدأ الذي كان يرفعه ويعمل به كما يقول اللواء فاروق عباس مساعد وزير الداخلية الأسبق والذي قضي معظم سنوات خدمته في الشرطة في مباحث الأموال العامة حتي تربع علي قمة هذا الجهاز الأمني قبل ترقيه مديرا لأمن الإسكندرية. يقول اللواء فاروق عباس إن برامج حماية الشهود المطبقة بالخارج تكون في الغالب لحماية الشهود من اعمال انتقامية تتم ضدهم مثلما يحدث في الجرائم الجنائية أما الجرائم الإدارية فلا تنطبق عليها هذه الحماية المطلوبة وانما في نفس الوقت لابد من توفير حماية للشاهد في قضايا الفساد تتناسب معا يتم ضده مثل أعمال التنكيل التي تتم معه وعدم ترقيته والتحرش الدائم به واختلاق المشاكل واصطياد الأخطاء! وأشكال الحماية لهذا الشاهد تبدأ بعدم أحقية جهة العمل في فصله أو تجميده أو نقله من مكانه لوظائف أقل من درجته الحالية. ويضيف أن توفير الحماية للشاهد وحصانته ضرورة لأن الآخرين اذا وجدوا زميلهم المبلغ عن وقائع ومخالفات فساد تم تكريمه أو علي الاقل لم يتم الاساءة اليه فلن يترددوا في الاسراع فورا عن كشف الفساد والابلاغ عنه ولذلك فأن حسن التعامل مع المبلغ وعدم الاضرار به هما رسالة واضحة لكل فاسد يخشي افتضاح امره. تعسف مرفوض! ومن ناحيته يؤكد د. أحمد درويش وزير التنمية الادارية ان التشريعات المصرية تضمنت نصوصا مشابهة لما جاء به في اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد بشأن توفير الحماية اللازمة للشهود والمبلغين لتشجيعهم علي كشف جرائم الفساد، الا ان الامر مازال يتطلب تدخلا تشريعيا يكفل حمايتهم ولاسرهم من اي انتقام من مرتكبي جرائم الفساد. ويوضح وزير التنمية الادارية ان سن التشريعات واصدار قانون في هذا الصدد الهدف منه تشجيع وتسهيل عملية الكشف عن التصرفات المنحرفة أو الفاسدة والتي قد يقوم بها مسئولون أو هيئات أو جماعات ومن ثم تأمين الحماية للمبلغين الذين يعانون صعوبات بسبب بلاغاتهم. أما في اطار الكشف عن جرائم الفساد الاداري فيؤكد د. درويش علي احقية الموظف في أي جهة ادارية بالابلاغ عنها دون خوف مع ضمان الحماية الكاملة له سواء لشخصه أو لوظيفته أو محل اقامته، ولا يجوز لأي سلطة مختصة أن تتعسف مع الموظف المبلغ سواء بنقله لمكان عمل آخر دون اخباره أو ابداء اية اسباب، أو توقع عليه اية جزاءات ادارية طالما انه لا يقع تحت مساءلة قانونية أو فصله والامتناع عن مباشرة اعماله لمجرد انه مُبلغ أو شاهد في قضية فساد. منظومة ادارية ويقود د. أحمد درويش ان الجهاز الاداري يعمل في منظومة متكاملة وهناك اجراءات لابد من اتباعها حينما تتعسف الجهة الادارية مع الموظف المبُلغ فعليه ان يلجأ لرئيسه المباشر عندما تلحق به اية اضرار وظيفية ومن بعده السلطة المختصة واذا انحرفت الجهة في رجوع أو عودة الموظف لعمله دون سبب فهو مخالف للقوانين وقواعدها ومن ثم يلجأ الموظف لمجلس الدولة ويثبت ذلك في قضية ادارية ويصدر له حكم اذا لم يكن الموظف المُبلغ مقصرا في اداء عمله أو ممتنعا عن الحضور أو منقطعا عن متابعة وظيفته اثناء النظر في قضية الفساد المنظورة أمام الجهات القضائية والتي كشف عنها.