أ.د. أحمد عمر هاشم كما اصطفي الله الرسل، وفضل بعضهم علي بعض في قوله تعالي: »تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض«، اصطفي الله سبحانه بعض الأزمنة وفضلها مثل شهر رمضان وليلة القدر ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الجمعة. واصطفي بعض الأمكنة مثل مكةالمكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف. ومن الأمكنة والبلاد التي خصها رب العباد ببعض الخصوصيات: أرض الكنانة مصر المحروسة. والكنانة: هي الجعبة والموضع الذي تحفظ فيه السهام وأدوات الدفاع والجهاد، وقد قضت الإرادة الإلهية أن تكون لمصر هذه الخصوصية لتنافح عن الأمن القومي لأمتها، ولتصون حدود عقيدتها وهويتها، ومن أجل ذلك كان جند مصر خير أجناد أهل الأرض، وكان لقواتها المسلحة مكانتها، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد أهل الأرض، قيل: ولم كانوا كذلك يارسول الله؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة«. وفي هذا بيان بأن جند مصر وقوات مصر خير أجناد أهل الأرض، والسر في هذا أنهم يحمون ثغور الأمة ويظلون مع أهليهم في رباط في سبيل الله، انهم يحمون الثغور، ويصونون أمن الأمة وينافحون عنها، ويظلون علي هذا النحو إلي يوم القيامة. وهذا هو قدر مصر الذي قدره الله لها، وتلك هي مكانتها التي بوأها الله سبحانه وتعالي إياها وإن العيون الساهرة التي تبيت لحراسة الأمن في سبيل الله أهلها هم أهل الجنة لا تمسهم النار، كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله«. وكما ان مصر كنانة الله في أرضه، وأن جندها خير أجناد أهل الأرض، لأنهم وأهليهم في رباط إلي يوم القيامة، فإنها أيضا حفيظة علي تراث الإسلام الذي يمثل أشرف تراث في الوجود كتابا وسنة وتشريعا، فقد شاء الله تعالي بعد القرون الثلاثة الأولي أن تنهض مصر بأزهرها الشريف منذ أكثر من ألف عام ليحتضن الثقافة الإسلامية الأصيلة كتابا وسنة وفقها وتوحيدا وسيرة نبوية وتاريخا إسلاميا، إلي غير ذلك من العلوم الإسلامية، فقد كادت تطيح الهجمة التترية الشرسة بتراث الإسلام وعلومه لولا قيام الأزهر الشريف علي أرض الكنانة، فكان وجوده إرادة إلهية لحماية الدين وعلومه من الذين أرادوا شرا بالإسلام والمسلمين، لولا قيام الأزهر وحمايته لعلوم الإسلام واستقباله لأبناء المسلمين من كل بقاع العالم حيث نفروا إليه، فاستقبلهم في أروقته التي سميت بأسماء بلادهم ففيها رواق الحجاز ورواق الشوام ورواق المغاربة وهكذا. لقد استقبل أبناء المسلمين حيث نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، كما قال الله سبحانه وتعالي: »وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون«. وكما استقبل الأزهر أبناء المسلمين من كل الأرض فقد بعث بعلمائه إلي بلاد العالم الإسلامي ليقوموا بأداء رسالة الإسلام ونشرها، وتعليم أبناء المسلمين، والإسهام في نهضة دول العالم العربي والإسلامي، دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. وظلت عناية الله لمصر منذ قديم الزمان فقد حفظها بعنايته، لأن جندها خير أجناد أهل الأرض لرباطهم في سبيل الله مع أهليهم. ولأن بها قبلة العلوم الإسلامية ومنارة المعرفة المتمثلة في أزهرها الشريف. ولأنها التي استقبلت الفتح الإسلامي منذ أول وهلة، ودخل أهلها في دين الله أفواجا دون إراقة دماء. ولأنها التي استقبلت الصفوة من آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم حين آثروها بالإقامة فيها، فاستقبلتهم بالحب والإيمان الصحيح الذي لا غلو فيه ولا تطرف ولا إرهاب، ولكن عملا بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي قال: »أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب الله، وأحبوا آل بيتي لحبي«. من أجل ذلك عرفت بأنها أرض الكنانة وأنها المحروسة، وما رماها رام إلا رده الله علي أعقابه خاسرا. كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم رحمه الله في قصيدته: »مصر تتحدث عن نفسها«: ما رماني رام وراح سليما من قديم عناية الله جندي كم بغت دولة عليّ وجارت ثم زالت وتلك عقبي التعدي وإذا تعرضت مصر لبعض الظواهر العدوانية، فإنها لا يمكن أن تستمر ولا أن يكون لها التأثير الضاغط علي مصر، فالناظر إلي مواقفها من تلك الظواهر العدوانية عبر عصور التاريخ، حيث تعرضت للاستعمار مرة، وحين تعرضت لبعض الحروب التي خاضتها دفاعا عن أمتها يري ان الله سبحانه وتعالي قد صانها من عدوان المستعمرين، ومن طغيان المعتدين، وأتم الله تعالي النصر، وكانت العاقبة لها، فالعاقبة للمتقين. وإذا ما تعرضت اليوم إلي بعض الدسائس والمكائد في شكل محاولات بائسة لإحداث القلاقل وتفجير الفتن فإن الله تعالي بالمرصاد لكل الماكرين والغادرين. وليعلم كل من يحاول ممارسة ظاهرة الإرهاب علي المستوي الفردي أو الجماعي أو الدولي، أنه سيبوء بإثم كبير. وأن ازهاق نفس واحدة، يعتبره الإسلام ازهاقا لأرواح الناس جميعا، لأن الذي يمارس ظاهرة العنف والارهاب وازهاق النفس، يحدث في المجتمع قلاقل واضرابات وفتنا، ولأن ازهاق نفس في مكان ما يغري بإزهاق أنفس أخري في أماكن أخري، ولأن الأمة جسد واحد ما يصيب أحد أعضائه تتألم له سائر الأعضاء، ومن أجل ذلك قرر القرآن الكريم أن قتل النفس الواحدة قتل للناس جميعا، حيث قال الله تعالي: »من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا«، وقررت السنة المطهرة علي صاحبها أفضل الصلاة والسلام أن من حمل السلاح علي أمته فليس منا حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من حمل علينا السلاح فليس منا« وأن المسلمين إذا اعتدي بعضهم علي بعض وحمل بعضهم السلاح في وجه أخيه يرجعون القهقري إلي عهود الجاهلية ويكونون علي منهجهم فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »لا ترجعوا بعدي كفارا بضرب بعضكم رقاب بعض« أي ان المسلمين حين يضرب بعضهم رقاب بعض، يرجعون كفارا، وعندما يستحلون ذلك يخرجون من حظيرة الإسلام، فعلي كل مسلم أن يتحاشي ظواهر العنف والإرهاب وأن ينأي بنفسه عن دعاوي الباطل التي يحاول إثارتها بعض الذين في قلوبهم مرض. وإن واجب أمتنا أن نتضامن جميعا علي تصفية جيوب الإرهاب في كل مكان، وأن نتعاون علي نشر السلام العالمي، والتعايش السلمي، وأن تتنامي علي الصعيد الدولي ثقافة السلام، وحقوق الإنسان. وأن نستجيب جميعا للأمر الرباني: (.. ادخلوا في السلم كافة). وأن نتواصي بالحق وأن نتواصي بالصبر. قال الله تعالي: »والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر«.