محىى الدىن اللاذقانى لم يشتهر خطاب سياسي بالتاريخ منذ سينكا الروماني مرورا بميرابو خطيب الثورة الفرنسية عبورا بعبدالناصر ومارتن لوثر كينج كما اشتهر خطاب العقيد القذافي في اليوم السادس للثورة الليبية والذي صار يعرف اختصارا بخطاب »زنقة.. زنقة« وهي العبارة التي تحولت لاحقا إلي أغنية عالمية شادها واستمع إليها الملايين خلال أيام قليلة من إلقاء ذلك الخطاب الذي تمر ذكراه السنوية الأولي هذه الأيام. ولم تكن الشتائم الموجهة للثوار والشعب الليبي عموما هي السبب في انتشار وشعبية ذلك الخطاب، فقد سبق للعقيد ان شتم شعبه في خطب كثيرة بما هو أشنع من الحشرات والجرذان وأشهر تلك الخطب الفالتة من أي عيار والتي ليس فيها للكرامة الإنسانية أي اعتبار خطاب سنة الزحف الأخضر الذي قال فيه: »أنا بلاني ربي ان أحكم شعبا عدده ثلاثة ملايين حمار«. وقبل أي تحليل لخطاب قائد منهار كان لظهوره علي تلك الشاكلة الأثر الكبير في رفع معنويات الثوار بدلا من اخافتهم كما كان يعتقد الخطيب لابد أن نلاحظ ان الوعي الجمعي للعقليات الديكتاتورية ورموز الحكم الشمولي وضع عبارة لويس الفرنسي حين قال: »أنا الشعب والشعب أنا« علي لسان العقيد الليبي فبعد عبارات الرنين الأولي في متلازمة: أنا مقاتل مجاهد مناضل من الخيمة من البادية، والتي صارت تجلب السخرية أكثر مما تستثير الحماس تأتي عبارة اللواوسة من عهد سحيق لتحط علي لسان القذافي حين قال: »الثورة تعني التضحية دائما وأبدا حتي نهاية العمر هذه بلادي بلاد أجدادي وأجدادكم أنا ليبي وليبيا هي أنا«. لا شعوريا أراد القائد الذي أحس مبكرا بالهزيمة أو لنقل لم يصدق أن يتجرأ عليه شعبه أراد أن يثبت حق الملكية للأرض والشعب والقرار قبل أن يبدأ العزف علي لحن »زنقة زنقة دار دار« مصحوبا بسيل من الشتائم التي تقزم الخصوم، فهم جرذان، مأجورون، تدفع لهم المخابرات الأجنبية، وتساعدهم القاعدة، ومن يخرج منهم من هذه التصنيفات لابد أن يكون مدمنا ومن المتعاطين لحبوب الهلوسة. وهنا لابد أن نلاحظ أن صدي أغنية »زنقة زنقة« كان موجودا ومؤثرا في دمشق الداعمة للنظام البائد، فالنظام السوري، وبعد أقل من ثلاثة أشهر علي خطاب القذافي سيتبني المفردات والشتائم والتهم نفسها، بل ويستعير أفلام حبوب الهلوسة المفبركة من المصانع الإعلامية ذاتها، وقد زاد بشار الأسد علي القذافي في تصغير حجم الخصوم والأعداء في خطبه، فأنزلهم من مرتبة الجرذان وحجمها إلي مرتبة الجراثيم، وذاك كي لا يكون هناك جثث نظريا حين يبيدهم بالكيماوي كما قد يفكر بعد أن عجز عن وقف قطار الثورة مستخدما كل ما عنده من قوات وأسلحة. وعلي ذكر الأسد الذي بدأ الناس يرون الرئيس المذعور المختبئ داخله كما رأوا ذعر القذافي في خطاب زنقة زنقة الطرابلسي، فقد تم الكشف هذا الأسبوع عن وجه آخر من وجوهه المتناقضة بواسطة الصحفية الأمريكية »جون جولييت باك« مراسلة مجلة الموضة فوج التي قابلته وزوجته قبل شهر تقريبا من اندلاع الثورة السورية، وكتبت عن السيدة السورية الأولي تقريرا بعنوان »وردة الصحراء« اضطرت المجلة لاحقا إلي سحبه والاعتذار عما فيه من تناقضات بعد أن ظهر الوجه الحقيقي للرئيس وزوجته. وقد كشفت هذه الصحافية لقناة سي ان ان الأمريكية هذا الأسبوع ان الرئيس السوري قال لها حين سألته عن شقته الدمشقية خارج القصر الجمهوري لماذا اختار أن يدرس طب العيون فقال انه اختار تلك المهنة لأنها من المهن الطبية التي ليس فيها دماء غزيرة، فهو لا يحب الدم، وفي هذه المرحلة التي أثبت فيها بشار الأسد انه أكثر تعطشا للدم من القذافي وأبنائه مجتمعين يبدو هذا التصريح غريبا، ومن فصيلة الكوميديا السوداء إذا نظرنا إلي ما يجري في عهده في شوارع سوريا، فالابن يكاد يتفوق علي الأب والأعمام في القدرة علي سفك الدماء بحيث لا يضاهي قدرته علي القتل إلا قدرته علي الكذب والانكار علنا فهو، وإلي الخطاب الأخير، يصر علي أنه لم يعط الأوامر بإطلاق النار علي المتظاهرين في المدن السورية. وتتشابه خطب وحركات بشار مع خطب وتحركات القذافي، وصداها الدمشقي، فالقذافي حرص علي الظهور في الساحة الخضراء محاطا بالمؤيدين وبشار زعم إعلامه حديثا انه ذهب إلي ساحة العباسيين ووقف خطيبا وسط الجماهير، ثم تبين من فحص الشريط انه تم تصويره في حديقة تابعة للقصر الجمهوري أثناء استقبال مؤيدين من الشبيبة. والسؤال الآن: هل تتشابه النهايات إذا تشابهت الخطب والتكتيكات..؟ الأرجح نعم، فالرئيس السوري ماض إلي نهايته المحتومة، وان لم يفرمل عنف جيشه ومخابراته بأسرع ما يمكن، فقد نراه مجندلا، أو مقيدا، لأن قوة المخابرات مهما بلغت لا تستطيع أن تحمي قائدا لا يريده شعبه، ومشكلة بشار هي نفس مشكلة القذافي بعد الثورة، وهي: »المبالغة بالقتل لإخافة شعوب لم تعد تخاف«.