حسىن عبد الواحد الثورة المصرية لم تندلع في ميدان التحرير في يناير الماضي ولكن وقائع هذه الثورة تجري الآن في كل مدن وقري مصر وسوف تتحدد في يونيو القادم بعد اكتمال الانتخابات البرلمانية والانتهاء من مشروع الدستور وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذه الرؤية يتبناها جون الترمان ، مدير برنامج الشرق الاوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، الذي يؤكد انه رغم اهتمام العالم باحداث العنف الاخيرة بين المتظاهرين والسلطات في القاهرة الا ان عدد المشاركين فيها لايمكن مقارنته بالملايين الذين ادلوا باصواتهم في الانتخابات البرلمانية والذين فتحوا الباب علي مصراعيه امام اجراء حوار بين التيارات الدينية الفائزة والمجلس الاعلي للقوات المسلحة حول مستقبل مصر السياسي . يقول الترمان في مقاله المهم بصحيفة هيرالد تريبيون الامريكية ان المشهد المصري في فبراير الماضي كان شديد الاختلاف عما هو عليه الان حيث كان الجميع يتوقعون ان يحل الثوار المفعمون بالحيوية والطاقة محل نظام مبارك الديكتاتوري ولكن حدثت تغييرات كثيرة حالت دون ذلك منها تباطؤ وتيرة الاصلاحات والمحاكمات الشكلية لرموز النظام السابق وتولي العسكريين السلطة بزيهم "الكاكي الشهير" دون حاجة لارتداء الملابس المدنية كما حدث خلال الستين عاما الماضية !
ورغم استمرار توافد اعداد من الثوار علي ميدان التحرير الا ان الاسلاميين أدركوا ان اللعبة الحقيقية في مكان آخر وبالتحديد مراكز الاقتراع واستعدوا لها جيدا ليفوزوا بحوالي 70٪ من المقاعد علي عكس القوي الليبرالية التي كانت تقريبا غائبة عن الانتخابات خاصة في المناطق الريفية. ويقول الترمان الذي شارك في مراقبة الانتخابات البرلمانية المصرية ان العسكريين اداروا العملية الانتخابية بنزاهة رغم ان الهدف النهائي للاسلاميين كان ومازال هو الاطاحة بهم. وربما يرجع سبب ذلك الي ضعف موقف العسكريين بسبب عنفهم ضد المتظاهرين والحملة ضد منظمات المجتمع المدني المصرية والاحتفاظ بالكثيرين من رجال النظام السابق في المواقع المهمة.
الموقف المصري الان كما يقول، الترمان، هو مقدمة للمعركة الحقيقية التي ستجري في الربيع القادم بين العسكريين والبرلمان المنتخب بأغلبية حيث سيحاول كل طرف ان يضع قواعد اللعبة التي تناسبه لتحديد ملامح الحكم القادم في مصر حتي لو تطلب ذلك الوصول الي حافة الهاوية. كثيرون في أمريكا واسرائيل وفي مصر أيضاً في مواجهة هذا الموقف غير الواضح ، يخشي البعض من وصول الاسلاميين للسلطة خاصة مع ضعف التيار الليبرالي وربما يفضلون ان تحكم مصر ديكتاتورية عسكرية بدلا من الدولة الثيوقراطية الدينية . ورغم ذلك فان المصالح الامريكية كما يقول الترمان تتطلب ايجاد توازن صعب بين العسكريين والاسلاميين في مصر ويجب ألا تسمح امريكا بسيطرة طرف علي الاخر وفي نفس الوقت عليها ان تحافظ علي القوي الليبرالية المصرية التي يعد وجودها حيويا للولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا. باختصار ما تسعي امريكا لتحقيقه في مصر الان ليس هو مساعدة اي طرف علي تحقيق الانتصار الكامل، بل اقناع الجميع بأن الخيار الوحيد امامهم هو التوافق او التعايش ليس من أجل حماية الديمقراطية المصرية الوليدة ولكن دفاعا عن المصالح الامريكية .. مع أطيب التمنيات للعسكر والاخوان والفلول أيضاً!