يتصدر حزب الحرية والعدالة اليوم مكان الصدارة، باعتباره حزبا للأغلبية في أول انتخابات برلمانية حرة بعد ثورة 52 يناير، يليه حزب النور. وإذا كان من البديهي أن تفخر الجماعات الإسلامية بما حققته من نجاح كبير، فإن المسئولية الملقاة علي عاتقها سوف تجعل هذا النجاح والفوز الكبير محلا دائما للحساب، وتحمل مسئولية وطن يقارب تعداده اليوم 09 مليون نسمة. وطن تتعدد انتماءات وايدلوجيات ومطالب أفراده، ويصبح من واجب الأغلبية التعبير والدفاع عنها. وأقول بكل الصدق والموضوعية ان هذا الفوز الساحق يمكن ان يمثل بداية حقيقية لتفاعل جماعات الإخوان مع قضايا الوطن وهموم المواطنين، ويرسخ من هذا النجاح ليصبح زادا في المستقبل وفي كل انتخابات قادمة. لقد انتهت تماما مرحلة الأقوال لتبدأ مرحلة الأعمال علي الأرض والواقع، ومن خلال سياسات وبرامج وخطط وتشريعات تستجيب لآمال وطموحات المواطنين وتعبر عنها، وتعالج كل السلبيات والمخاوف التي ترددت في الساحة السياسية خلال الشهور القليلة الماضية. واذا كان ما يبدو علي السطح الآن يشير الي بعض الخلافات الجوهرية بين حزبي الاغلبية الحرية والعدالة والنور، فاعتقد ان نظرة واحكام المواطنين سوف تتعامل معهما باعتبارهما كيانا واحدا، وهو الأمر الذي يوجب ضرورة التنسيق والتعاون وحل بعض الخلافات في اطار مرجعية اسلامية ارتضاها الناس لقناعتهم أنها قد تمثل السبيل الوحيد للخروج من مستنقع الفرقة والخلافات. فبعيدا عن التوجهات الدينية فإن الحزبين يمتلكان بالفعل مجموعة ضخمة من الكوادر والخبرات والمهارات التي تنعقد عليها آمال المواطنين خلال المرحلة القادمة، وبناء علي ما يقدمونه من أفكار ورؤي تحقق آمال مصر في مستقبل أكثر اشراقا. أعتقد ان هناك مجموعة من المحاور المهمة التي يجب البدء بها باعتبارها مقدمات علي أرض الواقع، ويأتي علي رأسها المخاوف المتزايدة من محاولات الاستئثار بالسلطة والتي قد تتضح خلال اختيار اللجنة التأسيسية للدستور وانتخابات اللجان الفرعية بالبرلمان الجديد، والتي يستطيع حزبا الاغلبية الانفراد بها بحكم الأغلبية، غير ان اعادة قراءة المشهد السياسي تحتم ضرورة اتساع هذه اللجان لتشمل بقية الأحزاب والكوادر التي نجحت في الانتخابات، ويمتد ذلك ليشمل بقية المناصب داخل البرلمان وداخل الدولة، ولنلقي نظرة سريعة علي تركيبة الحكم في تركيا أو في تونس والتي تتصدر فيهما الجماعات الاسلامية باعتبارها احزابا للأغلبية، لكنها حرصت منذ البداية علي ان تكون معبرة عن جموع مواطنيها، وكانت عيونها علي الناخبين الذين لم يدلوا بأصواتهم لها قبل المؤيدين. وتأتي مخاوف الاشقاء الأقباط لتحتل أيضا مكانة متقدمة وخاصة بعد سلسلة من التصريحات غير المسئولة التي شاركت فيها كل الاطراف، والتي امتدت في نوع غريب من العته والسفه لتشمل التشكيك في مجرد التهنئة بالاعياد، وهي جرثومة لابد ان نسارع جميعا في وأدها والقضاء عليها، لأن هناك بالفعل قوي كثيرة تسعي لنشرها وبثها في عضد كيان مصري لم يعرف الفرقة أبدا في حياته. كما تأتي مخاوف العالم الخارجي ايضا في المقدمة، وعلينا ألا نغفل ان تأخر المساعدات والمنح والقروض التي تمنحها المؤسسات الدولية أو الدول الغربية، كان بسبب حالة اللغط وعدم وضوح الرؤية خلال الفترة الماضية، والتي يجب ان تدعمها الافعال علي الارض وبعيدا عن التصريحات الفضفاضة والرؤي الرمادية. وعلينا ألا نتناسي أبدا أن هناك حالة من التشكك والمفاهيم المغلوطة حول الجماعات الاسلامية في كل الدول الغربية، ومحاولات ربطها بالارهاب.. ولاشك ان مجرد صدور تصريحات من الدول الغربية بأنها سوف تتعامل مع الجماعات الاسلامية العربية، التي تجتاح اليوم المشهد السياسي العربي، لا يخفي حقيقة المخاوف بقدر ما يعبر عن لغة المصالح والقبول بالأمر الواقع، والذي قد يتحول من النقيض الي النقيض في غمضة عين!! أيضا لا يجب بأي حال من الأحوال ان نغفل المخاوف التي تنتاب اليوم الساسة في اسرائيل، رغم محاولاتهم عدم تسليط الاضواء عليها. واعتقد ان التمسك بالمواثيق والتعهدات يمثل قيمة اسلامية رفيعة، دون ان يخل ذلك بحقوق كل الاطراف في مراجعتها والحوار المشترك حولها، ووفقا لظروف ومتغيرات كثيرة. تأتي العلاقات المصرية العربية لتشكل ايضا أحد المخاوف المهمة التي يجب ان تحتل سلم الاولويات، خاصة ان التزامن الكبير بين بزوغ جماعات الاخوان كمحرك اساسي علي الساحة السياسية، ارتبط بفكرة المد الثوري أو الديمقراطي، والتي تحمل مخاوف كثيرة لدي العديد من الدول العربية التي لا يشكك أحد في حقها المشروع لاختيار نظم الاصلاح التي تراها مناسبة لظروفها. علينا أيضاً ألا نغفل المخاوف والشكوك الكثيرة التي تنتاب الكثير من المصريين، والذين عبرت احاديثهم، بل حتي سخريتهم ونكاتهم عنها بعد تصدر الجماعات الاسلامية المشهد السياسي، وهي مخاوف روجت لها للاسف بعض وسائل الاعلام رغم كل ما فيها من كذب وافتراءات. ولا أبالغ عندما اقول ان كل مؤسسات الدولة قبل 52يناير كانت تتحمل جزءا من مسئولية هذه الصورة المغلوطة، وباعتبار الجماعات الاسلامية محظورة قانونا، وسبق لي شخصيا -وفي مرات قليلة- ان تناولت بالنقد هذه الجماعات، وفي إطار مفهوم ضيق كانت مصر كلها -بكل مؤسساتها- تتعامل به مع هذه الجماعات. حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي، وكل الاحزاب المصرية، وكل ابناء مصر، مطالبون اليوم بتقديم الادلةوالبراهين علي أننا كنا أمناء مع الله سبحانه وتعالي، ومع انفسنا، ونحن نختار بحرية الطريق لمستقبل نملك بالفعل اليوم كل أدواته.