حسىن عبد الواحد نظرية المؤامرة لا تكفي وحدها لتفسير أحداث العنف والتخريب والتدمير التي شهدتها مصر بعد تلك الأيام الرائعة التي أعقبت ثورة يناير. فلول النظام السابق والبلطجية وعملاء الأجهزة الأمنية أضعف من مواجهة من يفترض أنها القوي الأكبر في شوارعنا الآن وهي الجيش والشرطة والثوار والشعب المصري كله. كما أن السلطات التي تولت المسئولية بعد سقوط مبارك ليست علي هذه الدرجة من الوحشية التي تدفعها لارتكاب كل هذه الجرائم البشعة. التفسير المنطقي الوحيد هو أن المخاوف التي سيطرت علي الكثيرين في الداخل والخارج قبل ثورة 52 يناير بدأت تعود تدريجيا منتهزة مناخ الفوضي الذي تمر به البلاد، وهي ما كان يسمي »بثورة الجياع« والتي يندفع خلالها المحرومون والمهمشون والمقهورون لإحراق الأخضر واليابس تطبيقا لمفهوم »إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر« وإذا عشت تحت الكباري وفي العشوائيات فلتحترق كل الرموز حتي ولو كانت حضارية. لم يستطع هؤلاء الجياع تفجير الثورة بأنفسهم كما كان متوقعا ولكن الفرصة جاءتهم بعد أن انشغلت السلطات المصرية بمطاردة وقتل واعتقال ثوار 52 يناير الحقيقيين. هنا اكتشف الجياع والمحرومون ان المهمة أصبحت سهلة لهدم المعبد علي رؤوس الجميع.. الطغاة والثوار.. المجرمين والضحايا! والأكثر من ذلك، أن فلول النظام السابق وأعداء الثورة قدموا كل الإغراءات والتسهيلات لهؤلاء المهمشين لتحريضهم علي التخريب والتدمير وعرقلة حركة التاريخ. باختصار، استغل المغرضون ثورة 52 يناير العظيمة لتصبح مجرد فتيل لإشعال غضبة الجياع وخدمة أعداء الثورة. اختلط مشهد التغيير السلمي الذي أبهر العالم في يناير 1102 بأحداث التخريب والبلطجة التي بدت غريبة علي طبيعة الثورة المصرية. ولاشك أن التباطؤ في الاستجابة لمطالب وأهداف ثورة 52 يناير كان من أهم الأسباب التي أتاحت الفرصة للعناصر غير الواعية والمقهورة أيضا للتعبير عن غضبها المنفلت دون أن تدرك أنها بذلك تدمر فرصتها الوحيدة في الحصول علي حقوقها الإنسانية المشروعة بشكل محترم. هذا الغضب المدمر يتحمل مسئوليته نظام المخلوع حسني مبارك وحكومات ما بعد الثورة. والخوف كل الخوف أن يؤدي استمرار محاولات إجهاض ثورة يناير وتحريض الجياع والمقهورين علي التخريب إلي الدفع بالمزيد من هؤلاء المهمشين إلي الشوارع خاصة مع إلقاء اللوم علي شباب الثورة وتحميلهم مسئولية كل هذا الدمار والانهيار. الخروج من هذا النفق المظلم لن يكون من خلال تلك الانتهازية السياسية التي تلجأ إليها أطراف عديدة. حكم الاستبداد لن يعود أيها السادة.. والفساد لن يسمح به أحد بعد الآن.. والتوريث انتهي سواء لأبناء مبارك أو رجاله. الحل الوحيد هو احتضان الثورة والعمل علي تحقيق أهدافها النبيلة في أسرع وقت ممكن من أجل إنقاذ مصر التي عادت بسبب غباء البعض وأنانية البعض الآخر، إلي توقع غضبة الجياع الرهيبة التي أصبحت هي البديل الوحيد لثورة 52 يناير السلمية.