العيد مشتق من العود، وهو الرجوع والمعاودة، وسمي بذلك لأنه يتكرر وينتظره الناس بعاداتهم المستحبة. والعيد في اصطلاح الفقهاء يطلق علي يومي الفطر والأضحي من كل عام، فقد أخرج أحمد والنسائي بإسناد صحيح عن أنس بن مالك، قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي - صلي الله عليه وسلم - المدينة، قال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحي". وأما أيام التشريق فهي الأيام الثلاثة التالية ليوم الأضحي، وسميت بذلك لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها، أي تقدد في الشمس، وقد أجمع الفقهاء علي أن التكبير من شعائر العيد وأيام التشريق في الجملة، ولكنهم اختلفوا في صفة تلك الشعيرة فذهب جمهور الفقهاء إلي أنه سنة مؤكدة، لأن ثبوته جاء علي سبيل الخبر أو الفعل، وليس علي سبيل الأمر الجازم. وذهب الحنفية في الصحيح عندهم إلي أنه سنة في العيدين وواجب عقب الصلوات الخمس في أيام التشريق لأنها المعدودات التي أمر الله الحاج بالذكر فيها. والواجب عند الحنفية أعلي من السنة ودون الفرض، وإنما لم يكن فرضاً لاختلاف العلماء في تحديد تلك الأيام فقد قال ابن عباس إنها أربعة يوم النحر وثلاثة بعده، وقال الإمام علي إنها ثلاثة يوم النحر ويومان بعده، فلأجل الخلاف نزل الحكم من الفرض إلي الواجب. وذهب الإمام أبو حنيفة إلي عدم ثبوت شعيرة التكبير في أيام التشريق لاختصاص تلك الشعيرة بيوم العيد. وذهب الظاهرية إلي أن التكبير واجب ولو مرة واحدة في ليلة عيد الفطر أو يومه، لظاهر الأمر به في قوله تعالي:" ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم" »البقرة: 185« وهذا في مناسبة الفطر. أما التكبير في عيد الأضحي فسنة كما ذهب الجمهور، لأن الأمر به جاء بالإشارة وعلي سبيل التخيير في التعجيل، كما قال تعالي: "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" »البقرة: 203«، يقول ابن رشد: "فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أولاً أهل الحج فإن الجمهور رأي أنه يعم أهل الحج وغيرهم، وتلقي ذلك بالعمل، وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك". وقد أجمع الفقهاء علي استحباب الجهر بالتكبير في طريق مصلي العيد في الجملة، لإعلاء الشعيرة واتباعاً للسلف كابن عمر وغيره، ولما أخرجه البيهقي بسند ضعيف عن ابن مسعود أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، ويأخذ طريق الحدادين حتي يأتي المصلي. وكان مع النبي - صلي الله عليه وسلم - الفضل بين عباس وعبد الله بن عباس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن. وذهب الإمام أبوحنيفة خلافاً لصاحبيه والجمهور إلي كراهة الجهر بالتكبير في طريق مصلي عيد الفطر دون عيد الأضحي، لما روي عن ابن عباس أنه حمله قائده يوم الفطر فسمع الناس يكبرون، فقال لقائده: أكبر الإمام؟ قال: لا. قال: أفجن الناس؟ قال الإمام الكاساني: فلو كان الجهر بالتكبير سنة لم يكن لهذا الإنكار معني ولأن الأصل في الأذكار هو الإخفاء إلا فيما ورد التخصيص فيه، وقد ورد الجهر بالتكبير في عيد الأضحي فبقي الأمر في عيد الفطر علي الأصل بعدم الجهر. أما الجهر بالتكبير في مصلي العيد وعقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق فلا يستحب عند جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة إلا أن يحتاج إلي الجهر للتعليم، وقد عد أئمة المالكية الجهر بالتكبير في يوم العيد بدعة كما حكاه النفراوي في الفواكه الدواني، لعموم قوله تعالي: "ادعوا ربكم تضرعا وخفية" »الأعراف: 55« أي سراًً في النفس تذللاً واستكانة ليبعد عن الرياء، ولأنه أقرب إلي الإخلاص، وبذلك أثني الله تعالي علي نبيه زكريا في قوله سبحانه: "إذ نادي ربه نداء خفيا" »مريم: 3«.. وذهب بعض الفقهاء من المالكية والحنابلة إلي استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق، لما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي - صلي الله عليه وسلم - بالتكبير". وقد أجاب الإمام الشافعي عن هذا الحديث ونحوه بأن النبي - صلي الله عليه وسلم - جهر ليعلم الصحابة صفة الذكر لا إنه كان دائماً. وقد اختار المصريون قول بعض المالكية والحنابلة الذين ذهبوا إلي استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة في يوم العيد وأيام التشريق من باب إعلاء الشعيرة مع صحة العمل بهذا القول. وترك المصريون قول جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلي عدم استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق، ولم يكن تركهم لمذهب الجمهور في هذه المسألة تجرؤا عليهم، وإنما لكون ما ذهبوا إليه لا يشبع عاطفة المصريين الإيمانية، مع تعينهم بأن كل قول فقهي صادر من أهل الاجتهاد لا يوصف بالعصمة وإنما يوصف بالصواب الذي يحتمل الخطأ حتي أخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد، أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال له: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك".