بين يدي موسوعة من ثلاثة أجزاء تحمل عنوان »ملاحم وأساطير خالدة: وراء كل بطل أسطوري قصة«.. هذه الموسوعة صدرت للزميل الكاتب الصحفي وعضو اتحاد الكتاب مجدي كامل عن دار الكتاب العربي في طبعة فاخرة، وتتكون من ثلاثة كتب الأول يتناول ملحمتي هوميروس الخالدتين خلود الدهر »الإلياذة« و»الأوديسة«.. والثاني ملحمتين أخريين من روائع ملاحم التاريخ الخالدة هما »جلجامش« و»الشاهنامة«. أما الكتاب الثالث فيضم أربع ملاحم كبري خالدة، وهما رائعتا التراث الهندي الملحمي »المهابهاراتا« و»الرامايانا« وملحمتان أخريان وهما »قلعة دمدم« و»مم وزين« وتنتميان للأدب الكردي. وقد رأيت أن من الأهمية تناول هذه الموسوعة الثلاثية الملحمية في هذه الصفحة، لحاجة الأجيال الجديدة للتعرف علي هذا اللون الخالد والتليد من الأدب، الذي لم ينقطع اهتمام العالم به حتي يومنا هذا، لدرجة أن ملحمة »الشاهنامة« تتصدر أفضل الكتب مبيعا في العالم في معظم الاستفتاءات السنوية لصحيفة »نيويورك تايمز« الأمريكية، كما يتسابق الفنانون في الغرب لتقديمه في أعمال فنية مسرحية وأوبرالية حتي الآن لما فيهما من قصص ساحرة، وشخصيات أكثر سحرا، وأحداث ملحمية رائعة تدور في جو مثير يمتزج فيه الواقع بالخيال، وتسيطر عليه الأسطورة، التي تقود الأحداث من البداية للنهاية. والمعروف أن »الملحمة« هي قصائد مطولة تتناول التاريخ الأسطوري للأمم، وما يشيع فيه - في غياب الديانات والنظريات العلمية وحيث تنتشر الخرافة - من أساطير وقتال بين »الآلهة« كما في معتقداتهم. وبسبب ارتباط الملحمة بالأسطورة فقد بحث الدارسون طيلة القرون العشرين الماضية علي الأقل في كيفية نشوء الأساطير، وذهب بعضهم إلي أن البداية كانت علي شكل حوادث تاريخية تم تحريفها بمرور الزمان ويري غيرهم أن الأساطير نشأت نتيجة محاولة الناس تفسير أسباب حدوث الظواهر الطبيعية، التي عجزوا عن فهمها، وهناك نظريات أخري حول هذه الظاهرة، لكن لا يجيب أي منها عن الأسئلة التي تثار حولها رغم أنها تسهم إلي حد ما في فهم الموضوع. روكانت لدي شاعر الإغريق الملحمي الأشهر في التاريخ »هوميروس« برائعتيه »الإلياذة« و»الأوديسة« اللتين حشد فيهما أكبر عدد تشهده ملاحم التاريخ من أبطال أسطوريين نظرية تقول إن الأساطير تستند إلي حقائق تاريخية، وكان يعتقد أن علي الدارسين أن يطرحوا جانبًا العناصر الخارقة للطبيعة في الأساطير. فكان يقول مثلاً إن من المحتمل أن زيوس، الذي يصوره في ملحمتيه ك»كبير الآلهة« كان أحد الملوك العظام في كريت القديمة، وكان ذلك سببًا في خلق القصص الأسطورية عنه. وتدور بعض أنماط الملاحم الشعرية حول بطل أو حدث. ويروي كثير منها كيف نشأ شعب أو كيف نمت أمة. ألَّف الملاحم أناس مجهولون خلال زمن طويل، وملاحم أخري ألفها مؤلف واحد. وتعود الملاحم الشعرية إلي فترة ماقبل التاريخ، حيث كانت في البداية تغنَّي من قبل شعراء بمصاحبة العزف علي آلة وترية، وكان المغنِّي يؤلف كل سطر فيها، كما كان يغنِّي متَّبعا نمط الحكاية التقليدية في التأليف. ولكن كان كل مغن يحفظ أوصافا وحوادث وعبارات ومشاهد معينة، يمكن استخدامها في تأليف الأبيات، ويسمَّي هذا الأسلوب في التأليف الصياغة الشفهية. فمثلا تروي ملحمة »الالياذة« قصة حروب طويلة جرت عندما حاصر الايخيون سكان اليونان مدينة " طروادة " بآسيا الصغري، وسقطت بأيديهم بعد مرور تسع سنوات. وتمثل الملحمة السنة الأخيرة من القتال ومن ثم اجتياح الاخيين لطروادة. أما سبب هذه الحروب فهي رغبة الإيخيين في استعادة »هيلين« زوجة ملكهم »مينيلاوس« التي هجرته وهربت مع غريب هو »باريس« الطروادي إلي موطنه طروادة، واخفقت كل الجهود في استعادة زوجة الملك بسبب أسوار طروادة المنيعة التي قاومت لمدة تسع سنوات، قبل أن تسقط في النهاية علي يد بطل الملحمة الأسطوري »أخيل« أو »أخيليوس« أو »أكيليس« وكلها اسماؤه التي تشير الترجمات المختلفة إليه بها. وحول ثلاثيته الملحمية توقفت عند صاحبها مجدي كامل أحاول أن أعرف سر إقدامه علي مثل هذا العمل المثير كما الأساطير التي يحملها في طياته. * لماذا فكرت في إصدار هذه الثلاثية الملحمية؟ - في بداية التسعينيات أصدرت كتابا بعنوان »أشهر الأساطير في التاريخ« لا يزال يعاد طباعته حتي يومنا هذا، مما شجعني علي إصدار هذه الثلاثية الملحمية. ورغم انقضاء عصر الخرافات، وظهور الديانات، والنظريات العلمية، وتحول البشرية إلي مرحلة ما بعد »الأسطورة« إلا أن الملاحم المبنية علي الخرافات والأساطير لا تزال محور اهتمام العالم حتي يومنا هذا، لما فيها من دراما وسحر وغموض وعظات وعبر وأجواء من المتعة والإثارة أيضا، والأهم تعريف الأجيال الجديدة بهذا اللون الأدبي الخالد، وبلغة تعين علي قراءتها والاستمتاع بها بسهولة ويسر.