بقلم: حسين عبد الواحد [email protected] في عام 1972، أوفدت وكالة يونيتيد برس أحد أبرز مراسليها وهو توماس تشينهام إلي سيناءالمحتلة لإعداد سلسلة من التقارير والتحقيقات الصحفية حول الموقف هناك بعد خمس سنوات من الاحتلال الاسرائيلي.. وفي أحد هذه التقارير كتب تشينهام يقول: إن الجيش الاسرائيلي أقام تحصينات ومواقع دائمة في سيناء حولتها إلي ثكنة عسكرية إسرائيلية حصينة. ونقل المراسل عن جنرال إسرائيلي قوله في ثقة "إن عبور حفنة من الجنود المصريين للقناة بهدف زرع الألغام ثم الهرب بسرعة هو أمر ممكن، أما بناء رأس جسر أو عبور قوات كبيرة للشرق فهو المستحيل الذي لن يقوي عليه المصريون أبدا. هذه الغطرسة هي التي أعمت قادة إسرائيل عن استيعاب حقيقة رفض مصر للهزيمة. ويقول الكاتب الامريكي أنتوني كوردسمان في كتابه "دروس الحرب الحديثة" إن حرب الاستنزاف المصرية منعت الاسرائيليين من تطوير قواتهم ومعالجة سلبياتهم وكانت حرب الاستنزاف هي مقدمة تحرير سيناء في السادس من أكتوبر 1973 . الكثير من أسرار هذه الحرب جاء في كتاب صدر مؤخرا للباحث د. مدحت حسن عبد العزيز بعنوان "الجنرال صاحب الأذرع الطويلة" وهو الفريق أول محمد أحمد صادق الذي شغل ثلاثة من أهم المناصب العسكرية خلال تلك الفترة وهي مدير المخابرات المصرية ورئيس الاركان ووزير الحربية حتي عام 1972 . وتناول الكتاب مراحل عملية تحرير سيناء التي بدأت بقتل أول جندي إسرائيلي بعد الهزيمة وكان ذلك بالتحديد يوم 11 يونيو 67 والذي أعقبه فشل الهجوم الاسرائيلي علي رأس العش في بداية يوليو ثم تحقيق أول نصر كبير بتدمير المدمرة الاسرائيلية إيلات في أكتوبر 67 . ويقول الكاتب إن مصر أعلنت بداية حرب الاستنزاف يوم 8 مارس 1969 بضربة مدفعية رهيبة شاركت فيها 33 كتيبة مدفعية ضد المواقع الاسرائيلية شرقي القناة وأجبرت قوات الاحتلال علي التراجع لأكثر من 40 كيلومترا.وقد شهدت حرب الاستنزاف عمليات بطولية للقوات المسلحة المصرية، لم يكشف عنها حتي الآن، منها قصة إسقاط أحدث وأخطر طائرة تجسس إسرائيلية. ففي خريف 71، واجه الجهد العسكري المصري مشكلة كبيرة بسبب طائرة استطلاع الكتروني إسرائيلية من طراز "ستراتو كروز" كانت ترصد كل التحركات في منطقة الجبهة وسيناء وشاطيء المتوسط وهي تحلق في العمق بعيدا عن مرمي نيران الصواريخ المصرية.. وكان إسقاط هذه الطائرة يتطلب إعداد كمين ودفع وحدة نيران صاروخية لأقرب مسافة ممكنة من شاطيء القناة دون اكتشافها.. وبعد تخطيط مكثف وعمليات خداع لوسائل الاستطلاع والمخابرات الاسرائيلية نجح المصريون في الايقاع بالصيد الثمين وأسقطت الوحدة الصاروخية المصرية طائرة التجسس يوم 17 سبتمبر 1971 داخل سيناء. وزاد من قيمة هذا الصيد أن طائرة الستراتو كروز كانت هي أغلي طائرات السلاح الجوي الاسرائيلي ويقوم بتشغيل معداتها 8 من صفوة ضباط الحرب الالكترونية في إسرائيل بالاضافة إلي أفراد طاقمها الذين قتلوا جميعا في هذه العملية. . إنها بطولات لا تنسي مهما مرت الايام ليس فقط لانها حددت ملامح حرب تحرير سيناء بل أيضا لأنها ترسم خريطة طريق لتحقيق كل ما ننشده من انتصارات في جميع المجالات.