توقف بشكل شبه تام تخصيص أراضي الدولة سواء لأفراد أو لشركات استثمار عقارية أو أي جهات أخري، وذلك بعد تكشف سلسلة التجاوزات في ملف تخصيص الأراضي التي ينظرها الآن النائب العام والمتعلقة بتخصيص أراضي الدولة بالأمر المباشر لرجال أعمال بأسعار زهيدة، وما تضمنته تلك القضايا من فساد ورشوة وإهدار للمال العام، مما يطرح بقوة السؤال حول أفضل اسلوب لتخصيص ومنح أراضي الدولة بعد أن تستقر الأوضاع وتعود الحياة لقطاع البناء والتشييد والاستثمار العقاري والاستثمار بوجه عام , وكيف يمكن الحيلولة دون تكرار التجاوزات؟ كل طرق التخصيص الموجودة الآن كحق الانتفاع والتخصيص والمزادات صالحة ومناسبة لكن يتم الاعتماد علي كل منهم وفقا لعدة اعتبارات منها طبيعة المنطقة وتوقيت التخصيص، والغرض من تخصيص الأرض، هذا ما يراه المطور العقاري م. هشام شكري، قائلا: المناطق النائية علي سبيل المثال يمكن أن يتم منح أرضها بنظام التخصيص لتشجيع الإقبال علي تعميرها، ومع تحول المنطقة من نائية إلي منطقة عمرانية يتم منح الأراضي المتبقية فيها بنظام المزادات، وهناك استخدامات معينة للأراضي تتحكم في أساليب طرحها، فهناك الأراضي التي تصلح لإقامة مشاريع الإسكان، وغيرها يصلح للزراعة ، وهناك أراضي تصلح للمشاريع الصناعية، وأخري للمشاريع السياحية، وبحسب استعمالات تلك الأراضي يتم الاعتماد علي حق الانتفاع أو المزادات أو التخصيص وهكذا تصلح كل أساليب منح الأراضي، لكن المهم هو أن تكون موجودة داخل منظومة متكاملة وواضحة، و من خلال خطة عامة لكافة أراضي الدولة، ويتولي أمر اتخاذ قرارات التخصيص جهة واحده تتسم بالمرونة وتسمح بتغيير القرارات تبعا للتغيرات التي تطرأ علي المناطق المختلفة ، لأن أهم أسباب فشل سياسات تخصيص الأراضي في الفترة السابقة - بخلاف الفساد - هو الجمود، فقد تجمد نظام منح الأراضي الذي كان معمولا به دون أن يطرأ عليه أي تغييرات مهما تغيرت الظروف! ويشدد م. هشام شكري علي أن كافة عقود تخصيص الأراضي يجب أن تتم من خلال جهة واحدة، ويقول: أعتقد أن أكثر جهة لديها رؤية وإستراتيجية شاملة لتخطيط الأراضي في مصر هي هيئة التخطيط العمراني ويمكن أن تكون هي المسئولة مباشرة عن إبرام العقود أو يتم إنشاء جهة تابعة لها تختص بهذا الأمر، فتوحيد جهة الاختصاص يمنع وجود أي تضارب، كما أن تلك الجهة يجب ألا يكون هدفها هو بيع الأرض فقط بأعلي سعر، ولكن يجب الحرص أيضا علي منحها لمن يستطيع بالفعل أن يقوم بعمل تنمية وتعمير حقيقي لها، ولابد من وضع القيود التي تضمن ذلك وتحارب عملية تسقيع الأراضي، التي تعد من أخطر مايهدد نمو قطاع العقارات، لأنها تصب فقط في صالح تجار الأراضي، لذلك من المهم التشدد في القوانين واللوائح الجديدة لتخصيص الأراضي ووضع قيود تمنع تسقيع الأراضي وإعادة بيعها. من يتحمل الأخطاء؟ ويوضح م. هشام شكري أنه بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا علي مخالفة بعض العقود القديمة التي تمت في ظل النظام السابق مع مستثمرين مصريين أو أجانب؛ فلابد من احترام تلك العقود التي أبرمتها الدولة، ويقول: العقد حتي وإن لم يكن سليما فقد تم بموافقة مسئول حكومي رفيع ولو أخطأ فان هذا خطأ الدولة كلها، وما دام المستثمر لم يخل بالعقد فلا مسئولية تقع عليه ولا يجب محاسبته، إلا في حالة الإخلال بما تم الاتفاق عليه مع الدولة، أو إذ تادخل طرف ثالث ليثبت وجود شبه مخالفة قانونية أو واقعة رشوة بين المستثمر والمسئول. ويطالب م. هشام شكري بمراجعة القوانين وتنقيتها من البنود التي كانت تفصل لتحقيق مصالح شخصية، وأن تسن القوانين التي تحمي كافة أراضي الدولة. الأمر المباشر مرفوض ويوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد عبد الحليم عمر والمدير السابق لمركز صالح كامل للدراسات الاقتصادية بجامعة الأزهر، أن المادة 8 من الدستور تنص علي أن "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين كما تنص المادة 40 كذلك علي أن المواطنين لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم.." فأي تمييز من الدولة في المعاملة بين الأفراد سواء فيما يتعلق بما يفرض عليهم من أعباء أو ما يتاح لهم من فرص، يعتبر خروجاً علي مبادئ الدستور.لذلك يري أن تخصيص الأراضي بالأمر المباشر يتعارض تماما مع مبدأ تكافؤ الفرص، فقد رأينا كيف تم استغلاله أسوأ استغلال خلال المرحلة الماضية. وكيف تم إهدار أراضي الدولة وتخصيصها بالأمر المباشر للكثير من رجال الأعمال بأثمان بخسة. وكان هناك اضرار بالمال العام حيث تم إهدار مبالغ ضخمة علي الدولة والحقيقة إنه أياً كانت نسبة الشفافية في المرحلة القادمة فلا يمكن الجزم بأن تطبيق أسلوب الأمر المباشر لن يخلو من المجاملات ومن الرشوة وما إلي غيرها من الأساليب المرفوضة، لهذا يجب الابتعاد تماما عن هذا الأسلوب، والاعتماد علي المزايدة والبيع بأعلي سعر لمن تتوافر وتنطبق عليه كافة الشروط والمواصفات خاصة وأن اقتصادنا الآن يمر بمرحلة حرجة للغاية وهو في أمس الحاجة إلي الدعم وزيادة موارده. ويؤكد د. عبد الحليم بضرورة تشريع قانون صارم رادع لحماية أراضي الدولة، وإن يتم تخصيص الأراضي وفق إطار عام متفق عليه ويحقق التنمية المرجوة، وإن يكون هناك قانون موحد للقضاء نهائيا علي تضارب القوانين حيث أن هناك ما يقرب من 40 قانونا وقرارا جمهوريا خاصا بالتصرف في الأراضي غالبيتها متعارض ومتضاربة. ومازال الحوار مستمرا الأسبوع القادم.