محاكمة اسامة بن لادن لم تكن قضية مطروحة داخل الاوساط الامريكية، ولم يكن مطروحا علي دوائر صنع القرار في واشنطن القبض علي العدو رقم واحد بل مطلوب رأسه!. كان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش يقول عندما قرر التخلص من الرئيس العراقي صدام حسين.. ان العالم سيكون افضل بدون صدام، وذهب صدام وبقي العالم دون أن يطرأ عليه اي تحسن.، وذهب بوش تصحبه لعنات الملايين في العالم كله.. ويبدو ان الامريكان لم يفهموا الدرس فاستهدفوا بن لادن زاعمين ان التخلص منه سيجعل العالم اكثر أمنا واستقرارا بينما ستكون الولاياتالمتحدة نفسها ومصالحها الاستراتيجية هدفا لتنظيم القاعدة الذي يحتفظ لنفسه بحق الرد و»الثأر« لزعيمه الروحي وقائده العسكري الذي راح غدرا!. لم تكن المخابرات الامريكية تريد الوصول الي بن لادن وكان ذلك واضحا من الاوامر التي صدرت بتصفيته من اوباما مباشرة لفرقة الكوماندوز التي اغتالته، ليس ذلك مستغربا عند الكثيرين لان مثول زعيم القاعدة امام العدالة في محاكمة علنية سيفضح الامريكان انفسهم ويكشف الكثير عن علاقات الولاياتالمتحدة بأمير الافغان العرب منذ ظهور نجمه في افغانستان وكيف ساندته وقدمته مجاهدا كبيرا لتنقلب عليه. عندما وقف معارضا للوجود الامريكي علي الاراضي السعودية دفاعا عنها بعد غزو صدام للكويت واعتراضه علي فتوي الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي يترأس أعلي مؤسسة دينية في المملكة والتي اجازت وبررت نزول القوات الامريكية والمارينز للاراضي السعودية واتخاذ قواعد عسكرية حماية لها وردعا لصدام الذي لن يقدم علي مثل هذه الخطوة ليدخل في مواجهة مباشرة مع أمريكا. واشنطن لم يكن لديها الرغبة في وقوف الشيخ اسامه خلف القضبان ليسرد تاريخه في الجهاد دفاعا عن الاسلام واثارة حماس الشباب علي الصعيد الاسلامي في العالم كله وداخل الولاياتالمتحدة نفسها اكثر من ستة ملايين مسلم. كما ان مشهد المحاكمة يعيد للازهان نفس سيناريو صدام حسين الذي حصل علي تعاطف الملايين لوقوفه بشجاعة نادرة في مواجهة الحكم بالاعدام وهو يردد الشهادة في وجه »منصة المقصلة«. وان كان صدام يحمل علي كتفية اوزارا بحكم تاريخه وممارساته ضد طوائف من شعبه الذي حكمه بالحديد والنار.. يبدو الامر مختلفا مع من يناصب امريكا العداء ويحمل علي عاتقه مسئولية الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي في افغانستان ليحقق انتصارا وشهرة وتقديرا كبيرا بما جعله يعيش بطلا شعبيا اسطوريا ويرحل بصورة تراجيدية بعد حياة حافلة بين القصور والجبال والكهوف ليستقر جثمانه في مشهد حزين في قاع البحر.. كثيرون يعتبرون ان اغتيال بن لادن في هذا التوقيت يصب في مصلحة شخص واحد هو »باراك اوباما« حيث يعد التخلص من اسامه احد أوراق الدعاية القوية لترشيحه مرة ثانية للرئاسة الامريكية وان هذه هي الخطوة الاولي تجاه البيت الابيض، فلم يعش المواطن الامريكي حالة فرح كالتي عاشها بمجرد الاعلان عن نجاح عملية استهداف عدو امريكا الاول. والذي تحول لمشهد سينمائي او مسرحي حيث التف الرئيس اوباما وعدد من مسئولي ادارته ليشاهدوا علي الهواء مباشرة علي طريقة هوليوود وحدات الكوماندوز اثناء تنفيذ المهمة التي كانت مستحيلة. وفي رد فعل هزيل اصدرت جماعة الاخوان المسلمين في مصر بيانا فاترا عن الجريمة الامريكية لم تتعرض فيه الجماعة لادانة واضحة او تنتقد بشدة تصفية اسامه بهذه الطريقة والقائه في البحر مثل نفايات يجب التخلص منها، وكعادتها امسكت الجماعة بالعصا من المنتصف فهي تأسف. دون إدانة- ان يحدث ذلك لاي شخص دون ان تهتم امريكا مثلا بانها تقوم بدور القاضي الدولي والشرطي الذي يقوم نيابة عن دول العالم بتنفيذ الاحكام التي سبق ان اصدرها دون ان يسمح باستئناف او نقض أو سماع اقوال المتهم. في حين امسك الأزهر لسانه عما حدث إلا من ادانة لاسلوب التعامل مع جثة بن لادن التي القيت في مياه البحر وطالب البيان بضرورة احترام الروح والنفس البشرية ايا كان دينها. علي مدي عشر سنوات تبحث القوة الاعظم في العالم عن العدو رقم واحد اسامة بن لادن الذي جعل احد أهم اهدافه بعد 11 سبتمبر الا تكون عملية ملاحقته نزهة مريحة حيث اصدر تعليمات محددة واضحة صارمة لحراسة الشخصين ان يستشهدوه ولا يسمحوا بالقاء القبض عليه لانه ليس من طينة صدام حسين كي يرضي بان يفحصه طبيب من الجيش الامريكي بحثا عن القمل في رأسه ولحيته الكثة بينما الكاميرات تنقل علي الهواء مباشرة هذا المشهد المذل.. لم يكن اسامة راغبا في ان ينهي ايامه الاخيرة سجينا في قفص اعدائه يعرضونه في عاصمتهم لكل راغب في التشفي. ثم يتساءل اسامه من قال ان واشنطن لا تفضل رؤيته ميتا علي مثوله امام محكمة امريكية يروي امامها تاريخ جهاد ويجعل من قصصه البطولية مصدر وحي والهام وفخر لمليار و002 مليون مسلم علي وجه هذا الكوكب؟. هذه التعليمات او بالأحري »الوصية« اصدرها اسامة منذ سبع سنوات علي اقل التقدير.. فقد نجح اسامة ان يخلق اسطورة ستظل حية لن يتجاهلها التاريخ ولن يطويها النسيان فضلا عن نجاحه في عزل الولاياتالمتحدة بوسائل وسبل عجز عنها الاتحاد السوفيتي في قمة مجده حتي ان ادارة بوش وجدت نفسها مضطرة للاعتراف بان سياسة القوة والتدخل العسكري التي انتهجتها بعد 11 سبتمبر الحقت من الضرر بصورة امريكا في الخارج ما يتطلب منا سنين عديدة من العمل الشاق والمكثف لاستعادة ما كان لامريكا من مكانه دولية. نبرة البيانات التي اذاعتها الفضائيات للشيخ الهارب تؤكد انه كان متقبلا علي مضض ان الامريكيين سوف يجدونه عاجلا أم اجلا كما سبق ان وجدوا الكثيرين من كبار مساعديه والمتعاونين معه وفي 4002 قال احد الجنرالات الامريكيين في افغانستان ان ايام اسامه في مخبئة المفترض في مكان ما علي الحدود الافغانية الباكستانية اصبحت معدودة حتي انه تكهن بانه سوف يعتقل نهاية 4002 وهو ما اكده الجنرال ديفيد بارنو قائد قوات التحالف بإفغانستان: لدينا معلومات من مصادر استخباراتية متنوعة ونحن علي يقين باننا سنمسك باسامه والملا عمر هذا العام.. فالقبض علي اسامه مسألة توقيت واصبح يتردد بقوة ان الرئيس بوش الذي يتطلع لولاية ثانية يعرف تماما اين يختبيء اسامة وهو سيقبض عليه لحظة يشكل فيها الحدث »مفاجأة اكتوبر« السارة التي ستحسم الامر بالنسبة للناخبين المترددين حتي ان بعض التعليقات الصحفية افترضت ان الولاياتالمتحدة تحجز اسامه منذ زمن وهي تنتظر اللحظة السياسية الانسب كي تعلن انها قبضت عليه. كلينتون ساهم في شهرته جزء كبير من شهرة بن لادن ساهم في صناعتها الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون عندما قرر عام 8991 الانتقام من »اسامة« بعد تفجير السفارتين باطلاق غواصات البحرية الامريكية اكثر من 06 قذيفة توماهوك علي احد معسكراته التدريبية في افغانستان ومجموعة اخري من القذائف علي مصنع الشفاء للكيماويات في العاصمة السودانية الذي قيل ان اسامه كان يملكه وانه كان ينتج اسلحة كيماوية. لم تعرف القذائف في افغانستان طريقها اليه رغم ان مصادر مخابراتية امريكية قالت انه كان في معسكر قرب »خوست« قبل سقوط القذائف بساعة واحدة. مجرد استخدام قذائف توماهوك جعل الهالة التي تحيط بأسامه اكثر انتشارا خاصة ان هذا الشاب كان يريد ان يذيق الامريكيين مرارة الهزيمة والذل اللذين اذاقهما الامريكان للمسلمين في القرون الاربعة الاخيرة. دور اسامه في الجهاد الافغاني ضد السوفيت جعل المتطوعين العرب يختارونه اميرا لهم متجاوزا بذلك عبدالله عزام المجاهد الفلسطيني الاكبر سنا 61 سنة والاكثر شهرة وقتها.. امضي اسامه وقته في جمع الاموال من المتبرعين لمساندة المجاهدين واقنع عائلته بارسال المهندسين والمعدات الثقيلة التي تمتلكها شركة بن لادن لانشاء الانفاق والمستشفيات تحت الارض ومستودعات السلاح والذخيرة وكان اسامة يذهب الي بيشاور كل 3 اشهر حاملا التبرعات واهتم بشكل خاص بزيارة الجرحي وعائلاتهم. في أواخر عام 6891 نجح اسامه في اثراء سيرته الذاتية ببطولة ميدانية رواها اكثر من مرة بان قوة سوفيتية افغانية حكومية مشتركة اكبر بكثير من القوة التي كان يقودها هاجمته مع اربعين مقاتلا متطوعا من رجاله قرب احد معسكرات المجاهدين.. انسحب المقاتلون الافغان الذين كانوا معه بسرعة وحذر لكن علي الرغم من اوامر اسامه فقد رفض رجاله الانسحاب.. جئنا مجاهدين كي نحارب جئنا لنموت هكذا قالت المجموعة وصمدوا عشرة ايام في مواجهة طائرات السوفيت ودباباتهم وسقط منهم اكثر من 01 شهداء. وفي حديث صحفي اجراه روبرت فيسك الكاتب الامريكي الشهير قال اسامه انا لم اكن يوما اخشي الموت ولخص قناعاته التي صنعت اسطورته نحن كمسلمين نؤمن بأننا حين نموت نذهب الي الجنة وقبل ان نخوض المعركة تنزل علينا السكينة. في رعاية السماء كنت علي بعد 03 مترا فقط من القوات الروسية وكانوا يحاولون الامساك بي كنت تحت وابل من القصف لكن بردا وسلاما كانا يملأن قلبي حتي انني شعرت بالنعاس.. وغفوت .. وفي احدي المرات سقطت قذيفة امامه ولم تنفجر والقت طائرة روسية اربع قنابل علي مقر قيادته ولم تنفجر اي واحدة.. واكد لروبرت فيسك.. لقد هزمنا الاتحاد السوفيتي، لقد هرب الروس اسامه يري في نفسه رجلا اعده الله لمهمة عظيمة، مستعد للموت لا بل ساعيا اليه لكن العناية الالهية حفظته لانها شاءت له ان يجاهد يوما اخر، لقد حجز موقعه علي قائمة المجاهدين المقاتلين حاملا راية القيادة ولم يعد مجرد جامع تبرعات للجهاد. وبذلك اعاد تقديم واكتشاف نفسه من جديد فهو يملك شجاعة وزاهداً في الملذات وامتيازات الاثرياء فاصبح حبيب الجميع« وبطل في الصحافة السعودية حتي ان احد كبار المسئولين في المملكة قال عنه كان يخوض حربا لم يبق احد الا اراد خوضها وقد وضع ثروته المالية في خدمتها.. الامريكيون احبوه ونحن ايضا. عندما كان يعود للمملكة من الجهاد كان الطلب عليه شديدا لإلقاء الخطب والمواعظ في المساجد والمدارس والكليات العسكرية وكانت اشرطته توزع بالآلاف.. وببساطة شديدة اصبح اسامه نجما دينيا شعبيا وسط مجتمع متعطش لنموذج منذ وفاة الملك عبدالعزيز فوجدوا ضالتهم في اسامه عندما وقعت احداث 11 سبتمبر منذ عشر سنوات استرجع وقتها الامير بندر بن سلطان السفير السعودي الي واشنطن طوال اكثر من عقدين الجهود الدولية ضد الاحتلال السوفيتي لافغانستان. وقال بندر ان اسامه جاء لنا قائلا شكرا جزيلا علي انكم جئتم بالامريكيين لمساعدتنا.. ويؤكد الامير انه لم ير ما يشير الي ان بن لادن قادر علي توجيه ثماني بطات للانتقال بها من هذه الجهة من الشارع الي الجهة الاخري. وقبل احداث سبتمبر بسنوات قليلة وتحديدا في 8991 عقب تفجير السفارتين الامريكيتين في شرق افريقيا علق الجنرال حميد غول رئيس برنامج مخابرات الاجهزة الباكستاني الذي كان يزود الافغان من محاربي الجيش الاحمر الاسلحة في الثمانينات علق ساخرا علي اصرار الامريكيين علي ان اسامه كان وراء تلك العمليات انا أعرف اسامه فهو لا يمتلك ما يتطلبه القيام بعمل كهذا!. محاولات كثيرة للنيل من اسامه حدثت من شخصيات ليست فوق مستوي الشبهات لكن مخطط التشويه الاهم قامت به اجهزة الاستخبارات ومن اجله انفقت المليارات لتنتج في النهاية صورة الارهابي امرأة اسبانية تدعي انها صادقت أسامة وهو في الرابعة عشرة وتعرفت عليه أثناء دورة صيفية مكثفة في اللغة الإنجليزية في اكسفورد، وتحكي المرأة ان أسامة حكي لها عن اسراره الشخصية الكثير ومنها ان »والدته لم تكن زوجه شرعية وإنما كانت خليلة أو محظية، وأن جمال والدته هو ما جذب إليها والده، وسعت أجهزة الاستخبارات للاستفادة من روايات الساقطات وفتيات الليل خاصة ان أسامة لم يكن عمره تجاوز 41 سنة حسب رواية تلك الاسبانية لتدعي علي والدة أسامة »عليا« بالزوجة »العبدة« كما تصف أسامة نفسه بأنه »ابن العبدة«.. بهذه الروايات المشبوهة تحاول ان ترسم صورة مشوهة لطفل ولد خارج رباط الزواج الشرعي ويعيش بعقد نقص يحاول تجاوزها بالاتجاه نحو التشدد والتطرف، وتسعي لترويج روايات مفركة عن شباب اسامة الذي عاشه يطارد النسوة ويعاقر الخمور في علب الليل الممتلئة بروائح الجنس في بيروت، وما ينفي كل هذه الروايات ان اسامة تزوج وهو في السابعة عشرة بابنة خالة السورية نجوي غانم زوجته الأولي التي أنجب منها 31 ولدا.. ولكن الانصاف يأتي دائما من الأصدقاء خاصة إذا كانوا أبناء شارع ومدرسة واحدة مثل خالد باطرفي أحد اصدقائه المقربين كان يلعب معه كرة القدم وهما في سن المراهقة بشارع جبل السميقة بجدة وكان الشارع بحي جديد تسكنه عائلات من الطبقة المتوسطة.. أسامة التحق بمدرسة الثغر وكان تلامذتها من الأمراء وأبناء النخبة من العائلات السعودية وترك أسامة اثرا طيبا في نفوس معلميه لا بل في نفوس كل من عرفه بدماثة خلقه وكرمه وتهذيبه ووعي ضميره. شهادة انصاف من صديق ويصفه رفيقه خالد في كرة القدم بالمسلم الشديد الإيمان لكن دون ان يخرج عن التسامح، فكان يشدو وينشد دون أن يغني لأن الموسيقي لديه حرام، لكنه لم يكن يحاول ان يفرض وجهات نظره علينا، وكان يحسن استمالة الفتيان الذين لم يلتزموا فريضة الصلاة وغالبا ما هداهم إلي الإسلام الصحيح، وحرص في تلك الفترة هو ورفاقه علي صوم يومي الاثنين والخميس، كان يشجعنا علي الذهاب للمسجد خصوصا لأداء صلاة الفجر.. بعبارة موجزة يقول خالد: كان قويا هادئا واثقا بنفسه تشع منه كاريزما مؤثرة وفاعلة. ويصيف في وصفه لاعبا طويلا، نحيفا، يمشي الهويني في سنوات مراهقته.. مهاجما جيدا في كرة القدم ذكيا في تسديد الكرة برأسه.. كنا نلعب ثم نذهب في نزهة برية لتناول الفطور ليتحدث إلينا عن الإسلام ثم يسألنا بعد أن يقسمنا لفريقين أو أكثر عن الشريعة والرسول صلي الله عليه وسلم ليعلن اسماء الرابحين لكن حتي الخاسرين منا كانوا ينالون حصتهم من الحلوي التي جاء بها.. لم يكن المزاج من طبيعته وكان أكثر جدية منا جميعا حول شئون الحياة وما كان يجري في العالم الإسلامي.. لا ينسي انه من عائلة بن لادن لكن دون ان يهتم بالمظاهر، يؤمن تماما بأن المسلمين سواسية، فلم يحصر صحبته بأولاد الأثرياء فمن أصدقائه فقراء وتزوج أيضا من فقيرات. وحسب صديقه خالد: كان قلقا من افتقاد الشباب السعودي للقيادة والتوجيه في سنوات الفورة النفطية فينتهج مسارا خاطئا نحو الجنس والمخدرات والسفر للخارج وعدم ارتياد المساجد.