لا أعرف لماذا لم أشعر بالارتياح وأنا أتابع أولي جلسات الحوار الوطني عبر شاشة التلفزيون الأربعاء الماضي .. بل تملكني الشعور بأنني أمام نقاش استعراضي مفتعل .. وحوار سيطر عليه اللت والعجن .. والآراء المصطنعة .. بالرغم من روح الدعابة والتعليقات الساخرة التي كان يلقيها العالم والفقيه الدستوري الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء من وقت لآخر في محاولة لرسم الابتسامة علي وجوه الحضور المتجهمة وتخفيف وطأة التوتر التي انتابت الجلسة .. أحسست أنني أشاهد تمثيلية .. اضطر كل المشاركين بها للعب أدوار سطحية فلم يقنعنا أداؤهم .. ولم تجد طريقها بالتالي إلي التأثير فينا .. تمثيلية لم يستعد لها الأبطال ولم يحفظ كل منهم دوره كما ينبغي .. ولم أعرف ما المعايير التي تم علي أساسها اختيار المشاركين في الحوار .. مع كل الاحترام لهم جميعا فهم رموز من المثقفين وقادة الفكر والسياسة ..ومع ذلك أتساءل ما آلية الاختيار ؟ هل هي تنوع إنتماءاتهم السياسية وأفكارهم واتجاهاتهم وخبراتهم .. وإذا كان ذلك هو المعيار .. فكيف غاب عن الجلسة ممثلو شباب ثورة 25 يناير وهم مفجرو النقلة النوعية والانتفاضة التي نعيشها اليوم .. وهم الأصل والصورة لهذا الحراك السياسي المشهود .. وأصحاب الرؤي الحماسية والدماء الجديدة اليانعة .. كيف لاتتاح لهم الفرصة للتعبير والمشاركة؟! .. فإن غيابهم عن الجلسة الأولي للحوار في رأيي أفقدها الكثير .. ثم لماذا كان الإصرار علي موعد انعقاد الجلسة الأولي بينما لم يتلق بعض المشاركين .. وربما جميعهم .. الدعوة إلا قبل ساعات قليلة جدا من عقدها كما كشف الدكتور عصام العريان معربا عن قلقه وتوجسه .. وبالتالي لم يتح له ولغيره الوقت الكافي لإعداد نفسه وترتيب أفكاره والتحضير الجيد لكلمته !.. لذلك لم يكن موفقا الإعلامي البارز حافظ الميرازي الذي أدار الحوار عندما اقترح إعطاء كل مشارك خمس دقائق للحديث .. بدلا من إعطاء الكلمة لمن يطلبها .. مما أحرج بعض الحضور بالحديث فقط لإثبات الذات .. فجاءت بعض الكلمات غير مرتبة والأفكار مشتتة.. وربما سابقة لأوانها في جلسة افتتاحية من المفترض أنها تمهد لحوارات تالية جادة ومثمرة .. للإنصاف أقول .. أنني لم أشعر أن هذا الحوار مجرد سيناريو وأن ما سيخرج عنه رؤي وقرارات سابقة التجهيز كما قال الدكتور الجمل أن مجلس الوزراء لا يخطط للخروج من هذا الحوار بمنتج معد سلفا .. كما كان يتم ذلك في العهد البائد .. عندما دعا الحزب الوطني الديمقراطي الأحزاب السياسية في مصر لحوار" مطبوخ " حول التعديلات الدستورية في عام 2007 .. بينما كانت توزع علينا البيانات الصحفية التي تؤكد التوافق الكامل بين حزب الأغلبية والأحزاب المعارضة قبل حتي الانتهاء من انعقاد جلسة الحوار !. أفضل ماجاء في جلسة الحوار أن أحدا لم يطرح وجهة نظره باعتبارها بديهية أو مسلمة أو إذعانا لعقل المتلقي .. وإنما كل الآراء طرحت علي المائدة في شكل نقاش مبدئي وخطوط عامة .. لأنه لايستطيع أحد أن يدعي أنه يقود الرأي العام وإنما يؤثر فيه ويتأثر به .. وكم من مبصر خانته بصيرته وكم من بصير فاقد للبصر .. الرأي العام في مصر حالة وجد قومية يصنعها أفق سياسي مرسوم بالألوان الحمراء والبيضاء والسوداء ونسر .. كل ماسبق كان مجرد انطباعات .. لأنه من المبكر الحكم علي الحوار الوطني وهو في مهده وعلينا الانتظار لنري ما سيسفر عنه في الجلسات المقبلة ..