عندما قامت الثورة الليبية التي عرفت بثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 بقيادة الملازم أول معمر القذافي أدت إلي تنازل الملك إدريس السنوسي عن الحكم. وبعد مرور 42 عاما لم يتخيل الزعيم القذافي أن يأتي اليوم الذي يتجرع فيه من نفس الكأس علي يد شعبه ويقومون بالثورة عليه لتنحيته عن الحكم. لم يتخيل الليبيون أن يقوم قائدهم الذي رأوا أنه لم يعد قادرا علي قيادة البلاد بقصفهم بالطائرات والدبابات وقتلهم حتي عند تشييع جنازات الشهداء الذين تم قتلهم علي يد المرتزقة والقناصة. وهو ما حدا بصحيفة نيويورك تايمز لأن تؤكد أن قصف القذافي لشعبه كان هو بداية النهاية لإنهيار نظامه. وعلي الرغم من أن هذه القسوة أثارت غضب أبناء بلد عمر المختار ودول العالم إلا أن المراقبين يرونه أمرا ليس بالجديد علي دموية النظام الليبي البوليسي, الذي كان يقوم علي تصفيه معارضيه. وفي مدينة بني غازي كان قتل ألف سجين معارض في مذبحة سجن أبو سليم الشهيرة عام 1996 حادثا لم ينسه الشعب وأحد الأسباب الرئيسية في الثورة ضد نظام القذافي الديكتاتوري والتي انطلقت من هذه المدينة. محاولات بقاء القذافي بالسلطة وإستئثاره كانت واضحة من خلال تحركاته في السنوات الأخيرة .فقد قام بتسليم المشتبه به في تفجير لوكيربي وتسليم برنامجه النووي لوكالة الطاقة الذرية بعد غزو العراق عام 2003 لم يقدر الزعيم الليبي حجم الخطر الذي يواجهه خاصة مع إطاحة المظاهرات بالرئيسين زين العابدين وحسني مبارك. وذكرت صحيفة لوس انجلس تايمز أن غرور القذافي واعتماده الكامل علي القمع من خلال شبكة المخابرات التابعة له، منعه من تقدير حجم غضب الليبيين ضده. وتعكس الاضطرابات العارمة التي تشهدها الدولة القبلية الآن فقدان القذافي لدعم معظم العشائر الرئيسية ومن كانوا يدينون له بالولاء، واعتماده المنظم علي القمع الوحشي للبقاء في السلطة. ويري المراقبون أن الجيش الليبي , الذي يحتاج الي التلاحم والحرفية لقيامه علي الانتماءات العشائرية والقبلية غير قادر علي قيادة أمور البلاد في حالة إسقاط النظام الليبي وحل الأزمة مع المتظاهرين وتهدئة الثوار مثلما فعل الجيش المصري. وهو ما يثير مزيدا من القلق حول مستقبل الجماهيرية. لم يصدق عدد من رجال الجيش والشرطة ما يقوم به زعيمهم في حق الشعب الليبي الأعزل. فرفض وزير الداخلية اللواء عبد الفتاح يونس ما يقوم به القذافي وقرر الاستقالة والانضمام الي الثوار والانقلاب علي حكم الرئيس الليبي ونظامه. بل ووصل الأمر الي رفض عدد من الطيارين وضباط البحرية تنفيذ الأوامر التي تلقوها بضرب المتظاهرين بالقنابل والصواريخ. إن القذافي يشن حربا برية وجوية وبحرية ضد المدنيين بلا هوادة . لم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الي درجة الجنون في التعامل مع الأزمة وإستئجار عدد من الجنود المرتزقة لإعتقال وقتل المتظاهرين وخاصة في مدينة بني غازي التي وقعت تحت سيطرة الثوار. وقد نقلت مجلة تايم الأمريكية عن مصدر وصفته بأنه مقرب من الحكومة الليبية أن القذافي أمر عناصر تابعة له بالشروع في تخريب منشآت النفط في رسالة إلي القبائل بأن الفوضي ستعم ليبيا في حال رحيل نظامه. وقالت المجلة ان الزعيم الليبي يعيش في حالة من اليأس الآن , خاصة بعد ان تقلص عدد القوات العسكرية التي لا تزال تؤيد معمر القذافي إلي خمسة آلاف فقط. وأشارت أيضا إلي أن من ضمن تلك القوات كتيبة خميس القذافي (الكتيبة 32). ونقلت المجلة عن المصدر الليبي أن القذافي أبلغ مقربين منه بأنه يدرك أنه لم يعد في وسعه استعادة السيطرة علي ليبيا بعد تحرر أغلب المدن من نظامه لكنه يريد أن يجعل القبائل والضباط الذين تمردوا عليه يندمون علي تركه من خلال تحويل البلاد إلي صومال جديد.