أمير تاج السر، طبيب سوداني بدأ حياته شاعرا ثم أصبح روائيا حاصلا علي أرفع الجوائز الأدبية، درس الطب في مصر، وتنقل بين الدول العربية كمغرد حر في ساحات الرواية العربية، ترجمت أعماله إلي الإنجليزية والفرنسية والايطالية، هو قريب الأديب السوداني المعروف الطيب صالح صاحب رواية موسم الهجرة للشمال، حصل علي جائزة البوكر في 2010 وفاز بجائزة كتارا عام 2015..استهل الكتابة بالشعر بديوان » أحزان كبيرة » التي اعتبرها النقاد رواية شعرية طويلة، وكان للكاتب عبد الحكيم قاسم دور كبير في تحوله الروائي، الذي صار طريقا محفوفا بالأعمال المميزة، خلال مشواره الإبداعي.. في معرض أبوظبي الدولي كان حاضرا، في مناقشات وحوارات حول الرواية العربية، التقيت الروائي أمير تاج السر في لقاء خاطف قبل سفره بساعات عائدا إلي ممارسة عمله كطبيب وروائي مبدع. • في البداية أريد أن أعرف سر تحولك عن عالم الشعر إلي السرد القصصي وما الذي استهواك في الرواية أكثر من القصيدة؟ - أعترف بأنني دخلت عالم الابداع عبر الشعر الذي بدأت فيه حياتي شاعرا يكتب القصيدة الطويلة، التي فيها نوع من الحكي، كنت أملك خاصية السرد داخل القصيدة، مما جعل الكاتب عبد الحكيم قاسم يشجعني علي كتابة الرواية، فهو الذي اكتشف بداخلي الروائي، كتبت أول رواية في حياتي» كرما كول» وكانت مشبعة بالشعر، كأنها قصيدة طويلة، كان البناء القصصي فيها بالصورة الشعرية، مما اربكني، فالواقع يقول إنها ليست رواية، والنقاد قالوا إنه نوع جديد من الكتابة الروائية ،ثم بدأت أقرأ الروايات الحديثة، ثم عدت للسودان وانشغلت في ممارسة الطب، وعملت في أماكن بعيدة، ولكثرة التنقل والانشغال بتكوين الذات في مجال العمل، انقطعت صلتي بالكتابة لثماني سنوات، حتي انتقلت في عام 1993 للعمل في الدوحة. ثم كتبت روايتي الثانية »سماء بلون الياقوت»، وهي مستوحاة من بيئة شمال السودان، ثم تلاها رواية »نار الزغاريد» ثم »مرايا ساحلية» وهي الرواية التي أحدثت نقلة في تجربتي الروائية، وكانت عبارة عن سيرة عن منطقة »بورتسودان»، وبعدها كتبت »سيرة الوجع» وكانت عن ذكريات متنوعة من البلدة البعيدة التي كنت اعمل بها »طوكر»، ثم كتبت »صيد الحضرمية» و»عيون المهاجر». صعدت في حياتي ككاتب صغير ثم صعدت تدريجيا إلي أن وصلت إلي روايتي »مهر الصياح». كتاباتك تحمل هموم الانسان الذي يحمل الحنين بين أضلعه لبلاده، هل جاء ذلك بسبب كثرة تنقلك والعيش خارج وطنك الأصلي السودان؟. - الكتابة عن الوطن والحنين إليه هي من مؤثرات الكتابة أو من مثيرات الكتابة، أن يكتب الكاتب عن الأماكن وذكرياته، وأنا عشت معظم عمري خارج السودان، عملت كطبيب في منطقة الحدود »المنطقة الارترية »ففي رواية » مرايا ساحلية» كنت أتذكر طفولتي في السودان والتي وثقت فيها للمكان الجغرافي »البيوت المبنية من الخشب والحياة الأقرب إلي الطبيعة» كل هذه الأماكن تغيرت الان وصارت مكانها أبنية جديدة، لا تتخيلي إحساس الشخص حين يعود إلي وطنه وبيته القديم ولا يجده. »مهر الصياح» رواية تاريخية حققت شهرة بالغة، لماذا اخترت السرد المتخيل لكتابة التاريخ؟ ما هي دوافعك لكتابة هذا النص الرائع ؟ - دعينا نقول إن كتابة التاريخ شيء جميل، لكن في تصوري أن كتابة الرواية التاريخية تنقسم إلي شيئين، جزء مستند إلي حقائق وشخصيات تاريخية حقيقية واذا امسكت بشخصية معروفة يصعب أن تجعلها خيالية، وإما رواية تكتب بقدر من الخيال وهذا النوع أفضله تخيل التاريخ يجعلك تحوم حول شخصيات أخري بشيء لا يمت للشخصية الحقيقية بصلة، ورواية »مهر الصياح » تحمل اسقاطات كثيرة عن القهر والظلم فكان» الكوراك» وهو الصياح باللغة السودانية الدارجة وحينما ترجمت هذه الرواية للإنجليزية ترجمت بهذا الاسم، قدمت في هذه الرواية شكلا اسطوريا للتاريخ من خلال شخصية صانع فقير للطبول. الأعمال الأدبية الجيدة، بعضها يجد رواجا والبعض الآخر كأنه لم يكن علي الساحة.. في رأيك ما الذي يصنع للعمل شهرته ورواجه؟ - كان نجاح العمل الادبي في الماضي يتوقف رواجه علي النقاد والحركة النقدية، لكن اليوم رواج العمل وانتشاره يخضع لذائقة القارئ، فإذا رأي القارئ أن هذا العمل جيد أذاع الخبر في كل مكان أو هذا العمل سييء فيعكف الناس عنه، انتشار الروايات أصبح يخضع للحظ أو الترويج الذي يأتي من جانب القارئ، أصبح للنص سمعة يصنعها له القارئ. في مسيرتك الإبداعية ما الذي أعطاه الطبيب للمبدع وما الذي منحه المبدع للطبيب؟ - تعلمت من الطبيب الصبر في الكتابة، وأيضا تناولت شخصيات وأحداثا عشتها كطبيب مع المرضي الذين مروا في حياتي قصص وحكايات افادتني كروائي لقد مشيت في أماكن وعرة لم أكن أسير فيها لولا أنني طبيب، التنوع اليومي الذي اراه في البشر اعطاني تجارب حقيقية للكتابة، اما تجربة الكتابة جعلتني كطبيب أكثر إنسانية لأن الكاتب يصنع شخصياته ويتعاطف معها. ماهي الفكرة التي تؤرق تاج السر في كتاباته ويؤكد عليها في عالمه الإبداعي؟ - »المهمشين» هم اهم فئة تؤرقني في كتاباتي، إنهم يعيشون في بيئة ضعيفة، وانا اشتغلت في أحياء فقيرة كثيرة بلا مقابل، هذه الحياة التي عملت فيها دارت حولها معظم رواياتي ففي رواية » العطر الفرنسي » دارت حول حي غائب وفي »رواية 366» تدور حول عالم مهمش تماما وأيضا روايتي صائد اليرقات تدور في أحياء فقيرة وكذلك في رواية » طقس»، الشخصيات المهمشة هي ما تشغل تفكيري وكتابتي طول الوقت. في رأيك هل الجوائز التي زاد عددها وقيمتها المادية، أفسدت الإبداع أما هي مشحذ إيجابي للمبدع علي الكتابة؟ - الروايات التي تحصل علي الجوائز ليست بالضرورة هي أفضل النصوص، الجوائز سلاح ذو حدين، قبل وجودها بهذا الزخم كان كل موهوب يكتب وليس في ذهنه أي فكرة حول حصول عمله علي جائزة، أما في زمن الجوائز صار البعض يكتب روايات للجائزة، فهو شخص لديه قدرات يتخيل فيها العمل الذي يأمل ان يحوز به علي جائزة ما. بالنسبة لي لا أهتم بالجوائز، أما إذا حصلت عليها فهذا شيء جميل فمثلا رواية العطر الفرنسي عربيا لم تقدر، ورغم ذلك دخلت في قائمة أفضل رواية علي جميع انحاء العالم وكانت النص العربي الوحيد بين الاف الروايات المكتوبة بلغات أخري، هذه الرواية وراءها فكرة أن الغرب هم من يأتون إلي الشرق وليس العكس، حلم الشرق بالغرب، في هذه الرواية عكست الفكرة وقلت إن الغرب هو الذي يأتي الينا، ورواية 366 عبارة عن رسالة إلي حبيبة رآها الحبيب مرة واحدة ثم انتحر وهي مستوحاة من قصة حقيقية وحصلت بها علي جائزة كتارا. بعد كل هذه الروايات التي حصدت اشهر الجوائز في العالم العربي والغربي وترجمت لكل لغات العالم.. ما هي الفكرة الجديدة التي تشاكس أمير تاج السر في هذه الأيام؟. - أفكر جديا في كتابة سيرتي الذاتية شاملة، لأنني كتبتها بشكل متفرق في رواية » مرايا ساحلية »، ولكني أريد أن أكتبها بصورة متكاملة.