مشكلة الولاياتالمتحدة مع جوليان اسانج مؤسس موقع »ويكيليكس« ليست مجرد تورطه في إفشاء الكثير من أسرارها.. فخطيئة اسانج الكبري، من وجهة نظر واشنطن، هي انه كشف الوجه القبيح للسياسة الامريكية ورؤيتها السلبية والعدوانية للدول الاخري بما في ذلك حلفاؤها في الشرق والغرب. والحقيقة ان العالم كله يعرف جيدا حالة الشيزوفرينيا او انفصام الشخصية التي تعاني منها السياسة الامريكية والتي تجعلها تفعل الشيء ونقيضه في نفس الوقت دون حتي مجرد الاحساس بالخجل. وسياسة الرئيس الامريكي اوباما تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هي احدث دليل علي هذه الشيزوفرينيا الامريكية فقد بدأ اوباما معالجته لهذا الصراع بتأكيد رفضه للمستوطنات الاسرائيلية باعتبارها عقبة كبري امام السلام ولكنه انتهي قبل ايام الي مطالبة الفلسطينيين بقبول سياسة الاستيطان الاسرائيلي واستئناف المفاوضات المباشرة مع حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية دون قيد ولا شرط. هذا التناقض المخزي في السياسة الامريكية لم يكن بحاجة لوثائق ويكيليكس حتي يتم فضحه لسبب بسيط هو انه كان فضيحة علنية او نوعا من الاستربتيز السياسي.ورغم ذلك فإن خطورة ما فعله ويكيليكس ومؤسسه اسانج تكمن في انه اثبت للعالم بالوثائق ان السياسة الامريكية غير جديرة بالثقة وتفتقد لأدني معايير المصداقية وهو ما سينعكس مستقبلا علي اي محادثات او اتصالات بين الامريكيين والقادة والزعماء الاجانب. وبعد ما كشفته الوثائق الامريكية السرية تقلصت فرص السياسيين الامريكيين في خداع الاخرين وانتهت دبلوماسية الابواب المغلقة بعد ان سيطرت الهواجس والشكوك علي كل سياسي يتعامل مع واشنطن. ويؤكد الكثيرون من المراقبين الامريكيين ان الضرر الذي الحقه جوليان اسانج بالسياسة الامريكية لا يمكن اصلاحه علي الاقل في المدي القريب. وربما يفسر ذلك تعليق وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس علي نبأ اعتقال جوليان اسانج في لندن بقوله هذا خبر سار ووصف مسئولون امريكيين لأسانج بانه لا يقل خطورة علي امريكا من تنظيم القاعدة او حركة طالبان الافغانية. هكذا لم يكن من الغريب ان يعد المدعي العام الامريكي اريك هولدر مذكرة لمحاكمة اسانج بتهمة الجاسوسية وهو ما يؤكد ان رأس مؤسس ويكيليكس اصبحت مطلوبة بشدة وبشكل عاجل وفوري ليس فقط لمحاسبته علي فعلته الشنعاء بل ايضا لتشويهه وتدمير هالة الاعجاب التي احاطت به في عيون الملايين. لذلك تم تلفيق تهمة حمقاء للرجل بالتحرش الجنسي او الاغتصاب في السويد وهي التهمة التي تم علي أساسها اعتقاله في لندن تمهيدا لطبخ اتهامات اخري ضده تكون اشد خطورة. والغريب ان تلجأ دول بحجم امريكا وبريطانيا والسويد لهذا الاسلوب »المباحثي« لإدانة رجل جريمته الوحيدة كشف الحقائق التي لم يجرؤ احد علي تكذيبها او التشكيك فيها. ويؤكد اسانج ان التهمة الموجهة اليه تم تلفيقها للتخلص منه وهو كلام منطقي علي الاقل لان التحرش الجنسي او الاغتصاب في بلد مثل السويد لا توجد به اي قيود علي الحريات الجنسية بل والشذوذ وزواج الرجال لا يمكن ان يكون سوي نكتة سخيفة خاصة عندما يحدث ذلك في ظروف مريبة تؤكد ان الرجل مطلوب لاسباب اخري تتعلق بالسياسات الدولية والخداع الامريكي للعالم. وفي كل الاحوال مازال جوليان اسانج يتحدي كل القوي الكبري التي تتحرك ضده ويؤكد ان مئات الالوف في مختلف انحاء العالم قد آمنوا بقضيته وسوف يواصلون المهمة التي نذر حياته من اجلها وهي كشف المستور وفضح اكاذيب الساسة رغم انف عشاق السرية والغموض والظلام.