احرص دائما علي متابعة كل عمل سينمائي جديد للفنان احمد حلمي لأنني اثق في اختياراته للقضايا التي يطرحها للنقاش في أفلامه فهو صاحب فكر متجدد وله رؤية وطابع مميز خاص في الأداء ويكفيه أنه كيان مستقل قائم بذاته لا يقلد أحدا أو ينشغل بما في أيدي الآخرين من زملائه السينمائيين هو في البداية والنهاية نجم لا تتوه في ملامحه له »طلة« تخطف العين والقلب معا. وفي أحدث أفلامه »بلبل حيران« يلتقي احمد حلمي للمرة الثانية مع الثنائي الناجح السيناريست خالد دياب والمخرج خالد مرعي اللذين صنعا له فيلم »عسل اسود« وغاص من خلاله في قضايا اجتماعية سياسية ثم جاء هنا ليقدم عملا كوميديا رومانسيا يصور حدوتة شاب »نبيل« يعمل مهندسا للديكور بداخله نزعة قوية للتمرد والتردد معا فهو لا يتخذ قراراته علي المستويين الشخصي او العملي كفنان لعبته الخط واللون وتصميم المناظر والزوايا والاركان إلا بعد حوارات وجدل شديد بينه وبين نفسه وهو نموذج نكاد نشاهده يوميا علي ارض الواقع بين المئات من البشر! وانطلاقا من صفة التردد والحيرة يقوم البناء الدرامي بنسج خيوطه لشخصية »نبيل« الذي يقع في »حفرة« القلق والتوتر لعدم قدرته علي اختيار شريكة حياته التي تتفق مع تركيبته الفكرية والفنية فهناك فتاتان »ياسمين« و»هالة« يداعبان عقله وقلبه ولكل منهما خصائص ومزايا مختلفة تزيد الموقف تعقيدا بالنسبة له وتضعه في عدة ازمات صعبة! فالفتاة الاولي »ياسمين« رقيقة المشاعر حالمة وتمتلك حسا موسيقيا يكسبها ثقة شديدة في نفسها وهي تجد معني لحياتها وسط الناس وتحاول أن يكون »نبيل« مثلها تماما في كل شيء حتي في نوعية الطعام الذي تتناوله بصرف النظر عما يحبه او يريده هو! وعلي الطرف الآخر نجد الفتاة الاخري في حياة »بلبل« - نبيل - اسمها »هالة« تذوب عشقا فيه وتحرص علي تقديم الهدايا له وهي نموذج يختلف عن »ياسمين« تماما فمثلا لا تميل للظهور في اية تجمعات ولا تشغل بالها في اشياء تتطلب منها أن يكون لها رأي واضح ومحدد وبالتالي فهو في حيرة من امرها ولا يدري ماذا يفعل او كيف يختار لقلبه شريكة حياته من بين هاتين النموذجين! وتتصاعد الاحداث وندخل في تفاصيل كثيرة في اطار درامي توافرت فيه كل عناصر المتعة ونجد انفسنا امام محطات مهمة يأخذنا فيها »بلبل« الي عالمه الخاص عندما يلتقي داخل المستشفي وهو مصاب بعدة كسور مع الطبيبة »امل« التي تتولي متابعة حالته الصحية ويروي لها حكايته مع »ياسمين« و»هالة« وحيرته في الاختيار من بينهما للزوجة التي يرتبط بها في رحلة الحياة! ثم تزداد الامور تعقيدا بفقدانه للذاكرة لفترة من الوقت نتيجة حادث مفاجيء وينسي تعلقه وحيرته تجاه »ياسمين« و»هالة« ويبدأ في التعرف علي كل منهما من جديد ولكن حادثا عارضا آخر يعيد اليه ذاكرته مرة اخري! وتأخذ الاحداث شكلا آخر في حكاية »نبيل« - بلبل - في مواجهة الثالوث »ياسمين« و»هالة« و»أمل« وتتخللها مشاهد فلاش باك واستخدام الافيهات التي اتخذ منها كاتب السيناريو خالد دياب منصة لإطلاق الضحك والتعبير عن حالة نجم الحدوتة الدرامية في كل المراحل التي مر بها حتي نهاية الفيلم بأحداثه المثيرة والتي لا اريد سرد المزيد من تفاصيلها حتي لا احرق بقية الموضوع. المهم الفيلم متميز من حيث الشكل والمضمون ونجح المخرج خالد مرعي في شد انتباهنا لاحداثه ولم نشعر معه بالضيق أو الملل نتيجة براعته كمونتير سابق في اكساب العمل الايقاع السريع بجانب عناصر أخري شديدة الاتقان في الصورة والموسيقي التصويرية والمونتاج علاوة علي الاداء الممتع لاحمد حلمي الذي ظهر في شكل جديد تماما يختلف عن كل ادواره في افلامه السابقة الناجحة التي لم تدفعه لاستثمارها في اعادة تقديمها بصورا اخري مثل حكاية قلب »الشراب« التي يقع فيها كثير من نجومنا عندما يبتسم لهم الحظ ويدفع بهم الي النجاح فبدلا من البحث عن الافكار الجديدة باضافة نجاحات جديدة يأخذهم التكرار والاستظراف والغرور والاستسهال إلي حافة الهاوية والامثلة علي ذلك كثيرة ولا داع لذكر اسماء اصحابها الآن! ويحسب ايضا لاحمد حلمي والمخرج خالد مرعي اختيارهما الجيد للادوار النسائية فكانت زينة وشيرين عادل وايمي سمير غانم ثالوثا له بريق وتوهج ولمعان خاص في الحدوتة الدرامية الجيدة التي كتبها بخفة دم خالد دياب وجعلتنا ننسي همومنا بأوقات ممتعة مع الضحك واللعب والفرفشة وهو الامر الذي ينبغي ان يحسب للجهة التي تولت انتاج هذا الفيلم الكوميدي المتميز ووفرت له كل الامكانات المادية والامكانيات الفنية ليخرج الي النور علي مستوي فني عال.