أ. د. أحمد الطيب لقد كان الاستقطاب الفكري من اخطر النتائج التي اسفرت عنها الحياة المصرية- في المجال الثقافي- خلال نصف القرن الاخير. شاء الله ان اكون شاهد عصر علي جل التطورات الفكرية علي الساحة الثقافية واذكر انني حذرت في بعض محاضراتي وبحوثي من الطابع الخصامي الحاد الذي ينحدر اليه هذا الاستقطاب بعدما رصدت- ورصد كثير من المتابعين لاطوار الفكر المصري- ما شاع من مصطلحات الاحتراب والمواجهة والصراع والصدام وما تجر اليه من تأجيج الخلاف الفكري واشتعال ناره واشتداد أواره، وما نشأ من ذلك- بطبيعة الحال- من الشك والاتهام المتبادل ودعوات الاقصاء والابعاد والانشغال بأدوات التغلب علي الخصم وربما بالقضاء عليه للتفرد بالشأن الثقافي من خلال الحرب الفكرية المعلنة او غير المعلنة. واعتقد ان كثيرا من مفكرينا- الذين استطاعوا الاحتفاظ بالموضوعية وتمتعوا بقدر من الحياد- قد شغلتهم هذه الحال التي تمثل الجانب السلبي من الخلاف الفكري الذي لا تخلو منه امة من الامم نتيجة اختلاف التصورات والرؤي للواقع وللذات الوطنية والقومية وللظروف المحلية والاقليمية والدولية ولكن الامم الناهضة توظف هذا الخلاف في صنع البدائل النهوضية وتنمية الدوافع الوطنية في اطار من التعددية الفكرية والقبول بالغير »ولا اقول بالآخر« من الفصائل الوطنية وافتراض الاخلاص والولاء للوطن لدي الجميع واشاعة الثقة بين كل الاطياف الفكرية علي الساحة الوطنية. لكن الامر تحول عندنا- لاسباب قد نعرض لبعضها- الي ذلك الجو الصراعي الذي وصفناه ولم ننعم بجانبه الايجابي بل انتهي- للاسف الشديد- الي اضعاف الجسد الوطني وخلخلة صفوفه وكانت ثمرته النهائية خصيما بالسلب فالمتخاصمون من الفرقاء لا ينظرون الي المشكلة الوطنية والقومية ازاء خطر يتهدد الجميع ويمارس تحجيم المقدرات الوطنية والعبث بالقضايا المصيرية ويعربد في المنطقة علي حساب الجميع وقضية التقدم والنهضة ليست شاغل هذا الفريق او ذاك بقدر ما يشغله إثخان الخصم بالجراح والانتصار الوهمي علي اخ في الوطن ينبغي ان يكون عونا ودودا لا عدوا لدوداً.