ارتبطت بصداقة قوية مع السياسي الكبير ورجل الدولة البارز الوزير منصور حسن الذي افتقد برحيلة المفاجئ معاني الصدق والنبل والاخلاق فهذا انسان نادر من زمن فات من الصعب تكراره مرة أخري خاصة إذا ضاع الحب والوفاء من داخل القلوب والعقول لتحل مكانهما مفردات الغدر والخيانة والتخوين في لغة الحوار الذي كان يرحمه الله مؤمنا بأهميته وضرورته للتوافق بين الفرقاء في تلك اللحظة الحرجة التي يمر بها الوطن الذي ذاب عشقا في كل حبة رمل علي أرضه الطاهرة. وحكايتي مع حضرة المحترم منصور حسن كما كنت دائما أناديه بهذه العبارة منذ أن التقيت به في عام 79 عندما عين وزيرا للثقافة والإعلام وكنت لا أزال في بداية حياتي الصحفية حيث توليت آنذاك مسئولية المتابعة الاخبارية لحقيبتي الإعلام والثقافة علي صفحات »أخبار اليوم« التي اشغل الآن منصب مدير التحرير لها بعد رحلة عطاء اقتربت من 40 عاما. وعلي الرغم من أن حضرة المحترم منصور حسن غادر موقعه الوزاري بعد ثلاث سنوات فقط إلا أن علاقتنا لم تنقطع أبدا منذ ذلك اليوم وحتي قدمت له واجب العزاء منذ عدة أسابيع عقب وفاة زوج شقيقته زينب المرحوم يوسف توبة بعد أن أبلغتني صديقتنا المشتركة الإعلامية الكبيرة سامية صادق بهذا الخبر الحزين. وكالعادة وجدت منصور حسن رابط الجأش يحبس الدموع داخل عينيه شامخا صلبا وهو يحاول مغالبة أحزانه والانتصار عليها بقوة إيمانه فقد كان مهموما بقضايا وطنه ويعاني في نفس الوقت من ظروف صحية دقيقة ولكنه يبدو متماسكا حتي رحل كالاشجار واقفا علي قدميه بعد أن أدي واجبه تجاه وطنه في لحظة فارقة. ولمن لا يعرف حضرة المحترم منصور حسن أقول بحكم عملي بجواره وهو وزير للإعلام والثقافة وشئون رئاسة الجمهورية بعد أن أضيفت إليه بجانب مهامه في مجالي الإعلام والثقافة انه كان صاحب فكر مستنير يؤمن باتساع رقعة الممارسة السياسية ولايتخذ أية قرارات بمفرده بل علي العكس كان داخل ديوان وزارة الثقافة يفوض جمال حمزة وكيل أول الوزارة آنذاك في مسئوليات كثيرة ومهمة تحتاج لصاحب المنصب الوزاري ونفس الشئ فعله مع قيادات وزارة الإعلام وكان داخل ديوان رئيس الجمهورية يديره بحكمة وعقلانية بجوار صديقه أنور السادات الذي وثق به وتبادل معه كل مشاعر الحب والود الصادق وعندما اختلفا بسبب قرارات سبتمبر عام 1981 ظل كل منهما يحمل للآخر كل تقدير واحترام وأذكر انني سألته عن رؤيته للمستقبل عقب خروجه من العمل الوزاري فقال لي أنه سوف يظل مخلصا للرئيس السادات أيا كان موقعه فالمناصب محطات مؤقتة في حياة الانسان أما العشرة والصداقة فهي التي تدوم ولا ينفرط عقدها إلا بدنو الأجل وقد اثبتت التجربة صدق ما قاله حيث كان الراحل العظيم أنور السادات يكلفه بمهام خاصة ربما لا يعلم عنها أحدا شيئا باستثناء قلة لا يزيد عددها علي عدد اصابع اليد الواحدة. ولعلني لا أذيع سرا عن حضرة المحترم منصور حسن وأقول أنني شخصيا قد تعرضت لمحنة في عملي داخل أخبار اليوم وذهبت أشكو إليه حالي وطلبت منه النصح فقال لي اسجد لله واقترب واشكو له ولا تحاول ان تطرق أبواب احد لمساعدتك لتظل دائما مرفوع الرأس وثق أن الله سبحانه وتعالي سوف يؤيدك بنصر من عنده وستري نهاية من افتري عليك وظلمك وتنال حقك فيما كنت أحق به دون غيرك. وتمر السنوات وتصدق نبوءة حضرة المحترم منصور حسن وينعم الله عليّ بنعمته ويعوضني بالصحة والستر وأنال أرقي مناصب العمل الصحفي بعد سنوات حالكة من السواد والظلم والاقتراب من حافة الموت عقب أزمة صحية شهيرة كانت حديث الاوساط الإعلامية والفنية والثقافية في زمن انعدمت فيه الضمائر و استشري فيه الفساد المهني والاخلاقي نتيجة للغيبوبة التي كان عليها رأس النظام في ذلك الوقت وتركه مقاليد الحكم »لشلة« من الافاقين واللصوص من حملة المباخر في كل العهود والأزمنة سيئة السمعة. إنني لا أنسي حتي الآن ما قاله لي حضرة المحترم منصور حسن وهو يهنئني علي استعادة حقي المهني المسلوب حيث ربت علي كتفي وهو يردد: قدر الله وما شاء فعل لعله كان يدخرك بعيدا عن الأجواء المسمومة والملبدة بغيوم الادخنة الفاسدة التي سوف يختنق بها كل هؤلاء المؤذين مستقبلا وهو ما أثبتت التجربة الحياتية صدقه فيما قال. إنني كنت أشفق عليه بعد قبوله منصب رئيس المجلس الاستشاري خلال الفترة الانتقالية عقب ثورة 25 يناير حيث اعطي كل أوقاته وصحته وعافيته لتكون في خدمة المجلس الأعلي للقوات المسلحة حيث رأي في رجاله وقادته انحيازهم للشعب وتأييدهم لثواره وحرصهم علي الوصول بهم إلي بر الامان وقد قال لي عبارته التي لا أستطيع ان أنساها حتي الآن: قدري أن اظل خادما لهذا الشعب حتي الرمق الأخير من حياتي. ويرحل حضرة المحترم منصور حسن بعد أن يؤدي واجبه نحو وطنه الغالي وهو يدعو إلي ضرورة لم الشمل وتماسك الأمة وطي صفحات الخلافات والتطلع إلي أفاق مستقبل مشرق يحقق الصحوة الكبري لمصر الجديدة في شتي المجالات. رحم الله أعز وأشجع الرجال حضرة المحترم منصور حسن صديق عمري العزيز.