علي الرغم من احتلاله صدارة المشهد العسكري بالمنطقة والعالم خلال العامين الماضيين، ما زال الغموض يكتنف تنظيم «داعش». شهادة السجين الالماني هاري سارفو كشفت سر الغموض المتعلق بالعالم السري لجهاز الاستخبارات التابع لداعش. تناولت هذه الشهادة تغلغل التنظيم في فرنسا، وسعيه لتجنيد عملاء في بريطانياوالمانيا، وارسال جواسيسه إلي دول عدة بينها لبنان. كما يظهر في شهادة السجين سخريته الواضحة من سهولة تجنيد الامريكيين ووفرة السلاح لتنفيذ الهجمات. كما يتناول دور تركيا المشبوه في دعم داعش. وكيف كان عملاء الاستخبارات «الداعشية» يمضون اجازاتهم في منتجعات تركيا، ويعبرون الحدود للتدريب داخل سوريا. يكشف الالماني هاري سارفو، الذي نشأ في بريطانيا وقاتل إلي جانب «داعش» في سوريا، من داخل سجنه في مدينة بريمن الالمانية لصحيفة «نيويورك تايمز» عن «الجهاز السرّي متعدّد المستويات» المتخصّص في تصدير الإرهاب للدول الأوروبية بقيادة المتحدّث باسم التنظيم أبو محمد العدناني. واعتقاداً منه أنه يلبي النداء «المقدس»، غادر هاري سارفو منزله في بريمن عام 2015، وقاد سيارته لأربعة ايام متواصلة للوصول إلي الاراضي التي يسيطر عليها «داعش» بسوريا. وما إن وصل، برفقه صديقه الالماني، حتي أبلغته عناصر «ملثّمة» من التنظيم أنها تريد منهما العودة لبلدهما الأم ومساعدة التنظيم في نشر الإرهاب حول العالم. تحدثت العناصر، بصراحة، عن وجود العديد من المجندين في الدول الأوروبية الذين ينتظرون الأوامر لمهاجمة الأوروبيين، وكان ذلك قبل هجمات بروكسلوباريس. ونقل سارفو من سجنه الالماني، عن هذه العناصر الملثمه إن للتنظيم «أعدادا لا بأس بها من المجندين في بعض الدول الأوروبية، «لكنه بحاجة إلي المزيد منهم في المانياوبريطانيا تحديداً. فهل تمانع في العودة إلي المانيا لأن هذا ما نحتاجه حاليا؟». هؤلاء الملثمون كانوا ينتمون إلي «جهاز استخبارات» داعش، وهو جهاز مختص بتصدير الإرهاب للخارج ومؤلف من فرعين: القوات الداخلية والعمليات الخارجية. وبحسب سارفو فإن «الجهاز الأمني» للتنظيم هو العصب الرئيسي لعمليات التجنيد في الخارج، وقد قاد متدربوه تنفيذ هجمات باريس، وصنعوا المعدات التي استخدمت في الهجوم علي محطة مترو الأنفاق في بروكسل. وكشفت تحقيقات أجهزة الاستخبارات الفرنسية والنمساوية والبلجيكية أن تنظيم داعش زرع 28 شخصا علي الأقل من جهازه الأمني خارج مناطق سيطرته في سورية والعراق. وأكدت التحقيقات أن التنظيم أعاد الكثير من مقاتليه الأوروبيين إلي بلدانهم ليكونوا جاهزين لتنفيذ العمليات إلارهابية. وتصف الوثائق، التي حصلت عليها «نيويورك تايمز» من الاستخبارات الفرنسية والبلجيكية والنمساوية، إضافة إلي ملفات استجواب العديد من المجنّدين الذين اعتُقلوا لدي عودتهم إلي بلادهم، الجهاز «السري» بأنه «شبكة متعدّدة المستويات تحت قيادة أبو محمد العدناني، وتعاونه مجموعة من المساعدين الذي يتمتعون بصلاحية مطلقة في التخطيط لهجمات إرهابية في مناطق مختلفة من العالم. ويندرج ضمن الجهاز عدد من الأجهزة الأخري بما في ذلك جهاز استخبارات للشؤون الاوروبية، وجهاز استخبارات للشؤون الآسيوية، إضافة إلي جهاز استخبارات للشؤون العربية. واستناداً لاقوال المقاتلين المعتقلين، لعب جهاز الاستخبارات دوراً مهماً في هجمات التنظيم علي باريسوبروكسل، كما اشارت التحقيقات إلي أن عناصر الجهاز تم إرسالهم إلي النمساوألمانيا وإسبانيا ولبنان وتونس وبنغلادش وإندونيسيا وماليزيا. وأوضح سارفو أن «عملاء التنظيم السريين في أوروبا يستخدمون الأشخاص الذين قاموا باعتناق الإسلام حديثاً أو أصحاب السجلات النظيفة القادرين علي أن يكونوا حلقة الوصل بين الراغبين في تنفيذ العمليات الإرهابية مع العملاء الذين يمدونهم بالتعليمات اللازمة من تصنيع الحزام الناسف إلي تنفيذ العمليات. ويضيف سارفو ان الخلفية الإجرامية للوافد الجديد تفيد في اختياره للانضمام إلي «داعش». نجح سارفو في هذه الاختبارات. وفي اليوم الثالث وصل أعضاء ملثّمون من جهاز الاستخبارات يسألون عنه. أخبرهم أنه يريد المشاركة في القتال في سوريا أو العراق، لكن الملثّمين قالوا أن لديهم نقصا في أعداد المقاتلين في المانياوبريطانيا وأنهم يحتاجون إليه لتنفيذ عمليات إرهابية هناك.وعلي العكس، يتمتع التنظيم بفائض من المقاتلين في فرنسا. جري هذا الحديث في ابريل 2015، أي قبل 7 أشهر من هجمات باريس. ومن خلال علاقته مع أفراد من الجهاز، علم سارفو أن التنظيم كان يسعي لسد الثغرات في شبكته العالمية، وتجنيد مقاتلين آسيويين ممن انفصلوا عن تنظيم «القاعدة» في آسيا. ونجح التنظيم في تجنيد عشرات الأمريكيين والكنديين لتنفيذ العمليات الخارجية. وقال سارفو: «الأمر كان سهلا بالنسبة لهم باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يصفون الأمريكيين بالأغبياء الذين يمكن تجنيدهم بسهولة. وإذا كانوا من أصحاب السجلات النظيفة، فإنهم قادرون علي شراء السلاح بسهولة، وبالتالي لا يحتاجون إلي وسيط لإيصال السلاح لهم. يتذكر سارفو كيف قتل التنظيم بعض الأسري السوريين فقط من أجل تصوير الفيديو، وكيف كانت تعاد اللقطات أكثر من مرة حتي تخرج بالشكل المطلوب. عندها بدأ المواطن الألماني يشك في رغبته في الانضمام للتنظيم، بعدما رأي هذه الوحشية في التعامل مع الأسري. فقرر سارفو أن يهرب من سورية ويعود إلي بلاده، واستغرق الأمر أسبوعين حتي يخرج من سوريا باتجاه تركيا ومن ثم إلي ألمانيا. لكن وفور وصوله إلي مطار بريمن ألقت السلطات القبض عليه، ويقضي اليوم عقوبته بالسجن 3 سنوات بتهم تتعلّق بالإرهاب.