في أواخر أيام شهر القرآن والنور، نُسبت تصريحات للدكتور جابر عصفور يطالب فيها الأزهر الشريف باسم التنوير: (بحذف الآيات القرانية التي تتحدث عن الجهاد، من المناهج الدراسية لأنها ستكون سببا في استقطاب التنظيمات الإرهابية، ومنها داعش..،، ثم قال : لا يصح للأزهر أن يعتبر نفسه سلطة دينية يسلط سيفه علي المواطنين خاصة المعارضين له.. الخ). وقد استغربت في البداية من التصريحات، وقلت لمحدثي لا يمكن أن ترتفع درجة حرارة الشطط من الدكتور عصفور لهذا الحد ويطالب بحذف آيات من المقررات فهو عندنا اعقل من هذا، فأكد محدثي صحة التصريح، فقلت له : إن كان ما قال حقا فهو قول زور، وبهتان، ولا يحق لأي عصفور، أو نسر، أو حتي غُراب يبحث في الأرض أن يتفوه بهذا- مع احترامنا لشخص الدكتور - فالقرآن أكبر، وأجل من أن نتحدث عنه بهذه اللهجة، وهو نور لقلوب الطلاب فكيف يمكن أن نطفئ النور، بأفواهنا، وقد احترم الكفار هذا القرآن، وتمنوا نزوله علي غير النبي فقالوا: ( لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم ) الزخرف / 31 - أي علي عمدة الطائف أو مكة فهما اللذان يملكان المال، وليس هذا النبي الفقير حسب قياسهم الدنيوي، فجاء الرد : ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) الزخرف /32- فالقرآن، رحمة، وهداية، وما أحوج تطعيم طلابنا بهذه الهداية في هذا الزمان حتي لا يقعوا فريسة لأفكار الضالين ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء /9-. فكيف ينادي المنادي بحذف آياته الكريمة التي يُشفي بها القلب، ويستضيء بها العقل ؟ إن من يفعل ذلك غفل عن حلاوة هذا الذكر وروعته التي أبهرت الجن فقالوا: ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلي الرشد ) الجن /2-3- وأبهرت عتاولة الكفر في مكة كالوليد بن المغيرة الذي شهد للقرآن وقال : (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمُغدق، وإنه يعلو، ولا يُعلي عليه). فمن ذا الذي يأتي الينا الآن ليعلو علي القرآن، وُيصرح بوجوب حذفه من المناهج الدراسية، ويُدلّس علي الناس، ويتاجر باسم العقل، والعقلانية، والتنوير، والتجديد ليخفي حقيقة مذهبه، ومنهجه الأيديولوجي، ويدعي أن آيات الجهاد، هي السبب في استقطاب داعش وغيرها ؟!. وهل يصدق أحد أن داعش هي الناطق باسم ديننا ؟!. ثم من الذي أخبر السيد العصفور بأن هذه الآيات قد يُفهم منها التطرف، والإرهاب، فلو أن سيادته تدبّر القرآن حقا، لما تفوه بهذا. ولكن نلتمس له العذر لأنه غير متخصص في علوم الدين بل هو استاذ في الأدب والنقد (ومن تكلم في غير فنه أتي بالعجائب) وما أكثر عجائب حبيبنا حينما يترك الأدب والروايات ثم يتحدث في الدين، والعقيدة، والقرآن، والتفسير!. فنراه مرة يزعم أن الحجاب ليس بفرض، وأخري: إن كتب الصحاح كالبخاري فيها أحاديث خاطئة!. وثالثة يقول : إن الأزهر لا يملك أدوات علمية لتجديد الخطاب الديني.. واليوم يطالب بحذف آيات من المقررات، ويقول : الأزهر لا يصح أن يكون سلطة دينية، ولا سيفا مصلتا علي المواطنين !. وكنت أود من الدكتور الفاضل، والذي نأمل فيه الخير، أن يعلو بنفسه عن هذه التصريحات التي لا تليق بمثله، وأن يتعلم عصفورنا الكريم من الهدهد الكريم، والذي تحدث في فنه فقط،، لما رأي قوما يسجدون للشمس وقال : (ألا يسجدوا لله الذي يُخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون) النمل / 24-. فذكر « الخبء» وهو الغيث أو الماء، وهذه وظيفته فهو بمثابة مهندس مياه تميز بحدة البصر، فكان يدل علي الماء في تخوم الأرض، فمن منطلق تخصصه تحدث ولم يتجاوز، وحقا : إذا اراد الشخص أن ينفع نفسه فليقرأ في كل التخصصات، وإن أراد أن ينفع الناس ويحدثهم فليجتهد في تخصصه فقط حتي يُبدع ويفيد. وشفقة بالسامع الذي سمع تصريحات وزير ثقافتنا السابق المبجل عن وجوب حذف الأزهر لآيات الجهاد من المناهج الدراسية لأنها عنده قد تساعد علي التطرف كما هو الحال عند داعش نوضح ما يلي : أولا: أنه لا يجب أن نحاكم ديننا بتصرفات المارقين، فداعش ليست متحدثا باسم هذا الدين، وما تفعله لم نر عالما واحدا فضلا عن الأزهر الشريف وافق عليه فلماذا استدعاء اسمها كل حين؟، وحصر تعاليم ديننا في تصرفات أفرادها الذين لا تعرف هويتهم، ولا مصادر علومهم، ولا من الذي جندهم ليلوثوا اسم الإسلام بأعمالهم؟، بل إن ديننا ينسب أعمال كل شخص لذاته (ولا تزر وازرة وزر أخري) الأنعام / 164- (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر / 38- وفي الكتاب المقدس : (لا يقتل الآباء بسبب الأبناء ولا الأبناء بسبب الآباء كل إنسان بجريمته يقتل) وهذا هو العدل بعينه. ثانيا : أين الآيات التي تدعو لقتل الآخر، وتفرخ إرهابيين؟ إن جُل الآيات التي تتعلق بالجهاد في القرآن هي بمثابة رد فعل لعدوان العدو علي بلادنا، بل تزرع في قلب الطالب روح الوطنية والدفاع ولنقرأ : (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) البقرة / 194- وقوله سبحانه (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) التوبة 36/- وقوله (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتي يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) البقرة /191- إلي غير ذلك فهل يرضي الدكتور أن نحذف هذه الآيات، ونستبدلها بكلمات رقيقة يقدمها أولادنا لعدو جاء يغزو أرضنا؟ هل يقبل أن نقدم الورود والزهور للمعتدي حتي يُقال عنا: اننا لسنا متطرفين؟!. ومن الذي يقبل بهذا، وفي مجتمع لا يعترف إلا بالقوي، إن اسرائيل نفسها لا تقبل بذلك، بل لا يستطع أحد أن يعترض علي فقرات الإبادة الجماعية لقري بأكملها في كتاب اليهود المقدس فكيف بنا كل يوم نري من يتجرأ علي تعاليم الدين، في بلادنا الآمنة؟. ثم يقال إن الأزهر لا يجب أن يكون سلطة دينية، ولا سيفا مصلتا علي المواطنين، والجميع يعلم أن الأزهر سلطته بينها الدستور، ولم يكن يوما سيفا مصلتا إلا علي رقاب المرجفين في المدينة ممن يرجون زعزعة الأمن الفكري في البلاد باسم التنوير، -وقد لا يقصدون-، وهو بهذه الطريقة تزوير لا تنوير.