كان الشاعر أبو عبدالله بن القاسم والمعروف باسم »أبي العيناء« حلو المعشر سريع الجواب حاضر البديهة، وقد أصيب بالعمي وهو في الأربعين من عمره.. هذا الشاعر جاءه أحد وزراء الخليفة المتوكل وكان هذا الوزير ظالماً مستبداً وقال للشاعر: يا أبا العيناء.. رأيت في الحلم ثلاثة فئران أحدها بدين والآخر هزيل والثالث أعمي، فهل لك أن تفسر لي هذه الرؤية وأنت الخبير في تفسير الأحلام؟ صمت أبو العيناء لحظة ثم قال: إني أخشي أن أثير غضبك وأنت عزيز لو فسرت لك هذا الحلم علي حقيقته! قال الوزير: لا تخشي شيئاً وقل الحقيقة.. تشجع أبو العيناء وقال: الفأر الثمين يا سيدي هو حاشيتك، والفأر الهزيل يمثل الشعب المحروم الجائع، أما الفأر الأعمي ليس مثل عماي فهو أنت.. والله أعلم! تجمد الوزير في مكانه وكأنه أصيب بجرح في صميمه، إذ أدرك ما قصده الشاعر وانصرف من عنده شاكراً!.. وكان تفسير الحلم هذا كافياً ليجعل الوزير سموحاً عادلاً يأبي أن يظلم الناس بدون سبب! حكمة تحتاج من الوزير أي وزير أن يقرأها كل صباح، لعله لا يظلم ويكون عادلاً. عليه التدقيق في اختيار حاشيته من المساعدين والمعاونين خاصة أولئك الذين ترتبط وظائفهم بمصالح المواطنين. عليه إبعاد المنافقين الكذابين والذين تحوم حولهم الشبهات! أنا هنا لا أقصد وزيرا بعينه لكني أتوجه إلي رجل أعرف طيبة قلبه وسيرته النظيفة وتاريخه وهو ممتاز السعيد وزير المالية والذي أصدر مؤخراً قراراً بإبعاد ثلاثة من قيادات المنطقة الجمركية الشرقية ومع ذلك ظل رئيس المنطقة يرفض تنفيذ القرار الوزاري مستنداً إلي »أهالي بورسعيد الشرفاء والمستوردين المتعاملين مع جمارك بورسعيد والمنطقة الشرقية!« حيث لم يبخل أربعة من المستوردين بدفع 08 ألف جنيه قيمة إعلان »يستغيثون« فيه من قرار النقل ووصفه بالعشوائي والظالم رغم الفضيحة التي واكبت قرار النقل والتي تمثلت في اختفاء 611 حاوية من الملابس الجاهزة بعد خروجها من بورسعيد بنظام الإفراج تحت التحفظ لحساب أحد أكبر تجار الملابس هناك!.. اختفت الحاويات واختفت معها هيبة وزارة المالية ومصلحة الجمارك وهيبة الحكومة كلها! لم تستطع المالية ولا الجمارك تنفيذ القرار الذي كانت الفضيحة تحتم صدوره بل ومحاسبة المسئولين عن عمليات التهريب التي تتم جهاراً نهاراً وليس مجرد نقل المسئولين عنها إلي مكان آخر!.. لقد تنازل رئيس المنطقة الشرقية وتكرم علي الحكومة ونفذ القرار يوم الاثنين الماضي، ولكن بعد مرور نحو أسبوعين من صدوره! لقد تعاملت الجمارك مع الموقف بمنتهي الضعف، وسوف ينسي الناس مئات الأطنان من الملابس الجاهزة التي اختفت في ظروف »معروفة« وليست غامضة! لكنها كانت مثل الوحش الكاسر عندما قامت بتحويل بعض موظفيها للتحقيق لا لشيء سوي أنهم »تجرأوا« وانتقدوا أوضاعاً شاذة ووقائع إهدار للمال العام! ومن باب التنكيل بهم جاء قرار التحقيق معهم أمام النيابة بالاسكندرية رغم كون محال إقامتهم بالقاهرة! والحقيقة أن هؤلاء الموظفين لم يلجأوا لوسائل الإعلام إلا بعد فقد الأمل بسبب عدم اكتراث كبار المسئولين بالجمارك وعدم مبالاتهم رغم الوثائق والمستندات التي قدموها لهم بشأن وقائع الانحراف! حاشية الوزير أي وزير أو كما أسماها الشاعر أبي العيناء »الفأر الثمين« وراء كل البلاوي والكوارث، ويومها لا أحد يفرق بين الوزير وبين حاشيته! ووسط هذا كله تأتي المفاجأة مساء الثلاثاء الماضي باتصال تليفوني من مكتب وزير المالية لرئيس مصلحة الجمارك محمد الصلحاوي: اترك مكتبك! سيتم تعيين رئيس آخر هو محمد هندي الذي يشغل مدير الخدمات والشئون الإدارية بجمارك الاسكندرية! قرارات وقرارات أخري.. وسط »لخبطة« لا حدود لها.. ولا أستطيع سوي القول: ربنا يستر علي مصر.. ويكفي مسئوليها شر »الستات«!