حسدونا كان المصريون يشتهرون بأنهم يسخرون من كل أزمة تواجههم، ويحولون كل مأساة إلي نكتة «مطرقعة» أو»إيفيه» ساخن.. اليوم أعصاب الجميع، حكاما ومحكومين»شايطة» تكاد تشم رائحة اشتعال الموصلات العصبية لكل مصري، فتنفجر أزمة بدون لازمة وتكون من مستصغر الشرر، بسبب فعل مستعر ورد فعل مشتعل. الكل» واقف للكل علي الواحدة». وانفعال البعض يجري لأتفه الأسباب. غابت ثقافة العفو والتراحم. حتي من يتكسبون من إضحاك الناس، تحولوا إلي نوع من السخرية البشعة التي تتلذذ بآلام الآخرين (استخفاف الفنان أحمد آدم بمذابح حلب مثالا). المصري الذي كان يضحك طوب الأرض، أصبح يهد طوب الأرض بالنرفزة والعصبية لكل من يمس شعرة من رأسه أو يقترب من أنفه. هل الكوارث المتتالية وخواء الجيوب وغلاء الأسعار وانتشار البطالة، هو السبب؟ لا أعتقد فقد مررنا بفترات كان الغلاء يطحن المصريين بصورة أشد، وتحمل الجميع صابرا كل آلام نقص الأموال ومرارة «القعدة» بدون شغل، علي أمل الخروج من عنق الزجاجة الذي لم يتحقق أبدا علي مدي يزيد عن نصف قرن، إلا أن شياط الأعصاب لم يكن بمثل الطريقة التي نشهدها حاليا. ربما يكون السبب هو الخوف من المجهول في ظل عدم الإحساس بالأمان وعدم الاستقرار في تربص المصريين ببعضهم البعض لاصطياد كل من يتعثر في كبوة أو يرتكب هفوة لتخرج سكاكين الحساب دون رحمة أو شفقة. حالة التربص الجماعي بين أبناء الوطن تحتاج لدراسة واعية لعلماء النفس والاجتماع. فالمصري الذي كان يوصف بالمروءة والشهامة وإغاثة الملهوف، وكان هينا لينا، أصبح فظا غليظ القلب، فانفض معظم المصريين عن بعضهم البعض. لن أظلم ثورة 25 يناير- كما يفعل كثيرون - لأقول إنها أخرجت أسوأ ما في المصريين، فالثوار الذين نظفوا ميدان التحرير بعد سقوط مبارك، وأقاموا اللجان الشعبية لحماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، لا يمكن إلا أن يكونوا نبلاء. وحتي لا ننسي نذكركم بما قاله زعماء العالم عن أبطال 25 يناير الذين يصفهم بعض الإعلاميين الآن بالخونة والمتآمرين. فقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما : «يجب أن نربي أبناءنا ليصبحوا كشباب مصر» وعلق بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة :» أتيت إلي مصر لتحية الشعب المصري، وتأكيد عون ومساندة الأممالمتحدة للشعب المصري ولثورته السلمية التي استطاعت أن تجني ثمارها من خلال التعديلات الدستورية» وذكر سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا الأسبق: «لا جديد في مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة» وأكد رئيس وزراء بريطانيا: «يجب أن ندرس الثورة المصرية في مدارسنا». وأوضح هاينز فيشر رئيس النمسا: «شعب مصر أعظم شعوب الأرض ويستحق جائزة نوبل للسلام». ربما يرجع شياط الأعصاب إلي إحباط الشباب لأن الثورة لم تحقق أهدافها بعد. عموما ابتسم.. وإن أبكَتْكَ الظروف فإنَّ لكَ رباً. عظيمَ المعروف.