الفارق بين شارع عبد الخالق ثروت في وسط البلد، وواحة الفرافرة كبير، ليس فقط في المسافة وعدد الكيلو مترات، وإنما في التفكير... عند شارع عبد الخالق ثروت يوم الأربعاء الرابع من مايو كانت مصر الدولة مرتبكة، وقد تورطت في صنع أزمة لم يكن لها أن تصنعها، بينما مصر الصحافة منتفضة، شامخة، رأسها في السماء وقد حلفت ألا تحنيه لأحد، أما مصر وزارة الداخلية فقد كانت مشغولة بمتابعة المشهد عن كثب وقد حشدت المئات من الضباط والعساكر لحصار نقابة الصحفيين، وحماية عدد من مواطني مصر الشرفاء الذين جاءوا (في مجموعات) منظمة ليعبروا عن رأيهم (بالأصابع والحنجرة) ويشتموا ويسبوا صحفيين أرادوا أن يعترضوا علي اقتحام غير مسبوق لنقابتهم. أما في الفرافرة، فقد كانت مصر (اللي بجد) التي نحلم بها. تخطيط وإدارة وإنجاز ومتابعة ومشهد تواجد فيه كثيرون حملتهم الطائرات الحربية لمشاهدة حلم تحول إلي واقع لا أحد يستطيع طمسه أو تحويله إلي كابوس. في مصر عبد الخالق ثروت غابت السياسة، وغاب الذكاء، وغابت إدارة الأزمة، وحضر الغضب، بينما نظر التاريخ إلي الأمر ضارباً كفاً بكف. لم يحاول أحد أن (يحل) حلاً حقيقياً، بل تمسك الكل بفرض كلمته في أزمة صنعتها الدولة، وكان يمكن أن تخرج منها رابحة لو أن بها عقلاً سياسياً فطناً ذكياً قادراً علي فهم متطلبات اللحظة.. صحفيان مطلوبان يتواجدان داخل نقابة الصحفيين. تخيل لو أن الداخلية خاطبت النقابة بشكل رسمي لتسليم المطلوبين. تخيل لو أن الداخلية خرجت في بيان لتقول إن النقابة ترفض تسليم مطلوبين للخضوع للتحقيق. تصور ماذا كان يمكن أن يحدث، وتخيل كذلك رد فعل نقيب محترم اسمه يحيي قلاش عند مخاطبته رسمياً في ذلك الأمر ووضع الكرة في ملعبه وملعب مجلس النقابة، ثم تعال بسرعة لمشهد يصر كل طرف علي تصويره كما يريد، لتكبر كرة الثلج وتصل لمرحلة تدوس فيها علي كل من يقف أمامها. فطرف يراه تطبيقاً للقانون والآخر يراه اقتحاماً غير قانوني وجريمة حقيقية وبين الطرفين ينحاز المتفرج العادي للهيستريا بدلاً من أن ينحاز للحق، كيف لا والكل يشيطن الكل بعيداً عن الحل. كيف لا والداخلية تعاند وتجر معها النيابة كطرف رغم معرفتنا جميعاً أن القانون ليس بالمزاج وأنك إذا أردت تطبيقه فلتطبقه علي الجميع. الصحفيون كانوا يدافعون عن كرامتهم ومهنتهم. فوتوا الفرصة علي أي تدخل أجنبي حقير وكان أكثر قرار نال استحسان وتصفيق الجمعية العمومية. لم يتفوه أحد من صحفيي مصر المحترمين بكلمة بذيئة أو هتاف مسئ، بينما كان المواطنون الشرفاء يشتمونهم ويسبونهم بأعراضهم. قال لي صديق أن إحدي المواطنات الشريفات قالت لصحفي «إنت صحفي كذا» شاتمة إياه، وحين تمعن في وجهها تذكرها وذكرها بأن هذا الكذا هو الذي كتب عن ابنها المريض بالسرطان وعن حياتها الصعبة في العشوائيات. هذا هو الصحفي الكذا في عبد الخالق ثروت. الصحفي المظلوم في مكان عمله وبيئة عمله وفي دولته، وبدلاً من احتوائه، يجلبون له (خالتي فرنسا ) لشتيمته. غاب رئيس الوزراء وقرر الجميع أن يعملوا من بنها فكانت القرارات التي وإن رفض البعض بنداً أو بندين فيها فقد كانت رد فعل طبيعيا. أما في مصر الفرافرة، يا سلام، إيه الحلاوة دي، قمح مزروع وموسم حصاد وتخطيط ومشروعات قومية. يقول البعض إن السيسي لم يرد علي الصحفيين وتظاهراتهم، وواقع الأمر أنه رد بالعمل، وبإشارات بين السطور، وبجلوس وزير الداخلية الذي يطالب الصحفيون بإقالته في الصف الأول بارزاً واضحاً أمام الكاميرات التي تلقت تعليمات بإبرازه. في عبد الخالق ثروت الدولة شاركت في صنع الأزمة واتقمصت. في الفرافرة صنعت الدولة (ممثلة في الرئيس والوزراء في دور المعاونين ورئيس الوزراء في دور ضيف الشرف) إنجازاً مهماً ندعو الله أن يكتمل وأن نقف جميعاً خلفه. لا الصحفيون ضد الرئيس والدولة، ولا الدولة يجب أن تعادي الصحفيين يا سادة. لا الصحافة ستخضع ولا الدولة «هيتلوي دراعها».. غاية ما هنالك، أن الصحفيين في عبد الخالق ثروت كانوا يريدون مصر التي في الفرافرة عندهم، بينما الرئيس أراد الصحفيين عنده في الفرافرة، بينما الوطن الحقيقي يحتاجنا جميعاً في مكان واحد. معاً.