الحقيقة انني ترددت كثيرا في التعرض للأزمة الناشبة بين نقابة الصحفيين وأجهزة الأمن التي تشهد عملية نفخ في نيرانها من جانب بعض العناصر التي تستهدف غير مصلحة هذا الوطن. لقد جنحت إلي هذا الموقف تجنبا للاتهام بالانحياز للمهنة التي انتمي إليها في حالة ابداء تضامني مع الرافضين لاقتحام النقابة. منعني عن ذلك - ان ما تم.. حتي لو اتسم بالتجاوز - قد جري تنفيذا لقرار صادر من النيابة العامة لضبط واحضار زميلين اجهل انتماءهما السياسي موجهة إليهما تهمة ارتكاب ممارسات تمس أمن واستقرار الوطن. من ناحية أخري وفي نفس الوقت خشيت أيضا ادانتي بنفاق الدولة اذا ما اعلنت مساندتي لمسلك اجهزة الأمن. حول هذا الأمر لا أجد أمامي سوي مطالبة الطرفين بالتعقل والهدوء والتوقف عن كل ما يؤدي إلي الإثارة والتصادم. توصلت في مناقشتي للأحداث مع نفسي إلي حتمية الاحتكام إلي القضاء والقانون وما سوف تسفر عنه نتائج التحقيقات الجارية. من المؤكد أن هذه الاجراءات القضائية - في ظل بيان النيابة العامة- سوف تتوصل إلي تحديد المسئول عن الخطأ الذي أدي إلي سوء التفاهم السائد حاليا. انني علي يقين وبعيدا عن الشعارات.. بأن الوطن - الذي لديه ما يكفيه - كان يمكن تجنيبه ما حدث بالحوار والتقدير السليم لكل ملابسات القضية. لا جدال ان الحرص علي مصلحة هذه الدولة كان يحتم استبعاد لجوء البعض إلي استخدام ما حدث للمزايدة من أجل تحقيق مصالح خاصة. كان عليهم ألا يكون هدفهم اشعال الموقف واستعداء الرأي العام علي أجهزة الأمن المحملة بأعباء التصدي للمتربصين بهذا الوطن. في هذا الشأن فإنني أجد نفسي مؤيدا لوجهة نظر الزميل الصديق النقابي المتمرس مكرم محمد أحمد ومستعيرا قوله.. بأن واجب النقابة توفير الحماية للمضطهدين من الصحفيين وأصحاب الرأي وليس المطاردين بقضايا جنائية. من ناحية أخري فإنني أضيف.. بأن الغموض واللغوشة المثارة فيما يتعلق بهذه الأزمة - التي ما كان هناك داع لتفاقمها - قد جاء نتيجة سوء النية من جانب الأطراف المتورطة. كان وراء عدم النجاح في احتوائها.. غياب لغة التفاهم والثقة مع الاستسلام للعصبية والتوتر في التعامل وخدمة أهداف غير سوية. هنا لابد من القول بأن علينا كصحفيين أن نكون أمناء وصادقين مع انفسنا ومع المبادئء والقيم التي نطالب بها ونتبناها في كتاباتنا والتي تدعم وتؤيد أن يكون الوطن الذي نعيش فيه قائما علي دولة سياسة القانون. كلنا ندرك أن تطبيق هذا المبدأ ليس فيه خيار وفقوس وأنه وتعظيما لما يجب أن يسود مجتمعنا فإنه لا أحد فوق القانون. المهم في هذه الحالة أن تجري عملية تطبيق القانون بالشفافية الواجبة التي تفرض علي الجميع الالتزام بالقبول والاحترام. وفي مجال المسئولية النقابية كان لا بد من مراعاة مصلحة هذا الوطن التي تعلو علي كل مصلحة.. ان من حق المسئولين عن إدارة النقابة الدفاع عن حرية الرأي التي يمارسها اعضاؤها وليس السماح بأن يكون هذا الحق غطاء للقيام بأعمال وممارسات يمنعها القانون. حول هذه القضية فإن علي السلطة.. مسئولية اعمال القانون بالشفافية بعد التيقن من الأسباب والمبررات والأسانيد القانونية لما تقوم باتخاذه من اجراءات. أخيرا اقول ان هناك شبهة تربص فيما احاط الازمة المفتعلة بين الصحفيين وأجهزة الامن والمؤسف أن كليهما يعدان من مؤسساتنا الوطنية.