ذكرني الأمر وأنا مازلت متسمراً أمام المشهد بفيلم (طيور) لألفريد هيتشكوك، حيث تهجم الطيور علي المدينة، ويرحل الجميع، ليتركوها للطيور. للوهلة الأولي ظننت الأمر خداعاً بصرياً قبل أن أحملق في (السلك) المشدود علي الشباك لمنع دخول الناموس... صحيح أن الناموس تسبب في تورم عين طفلي الصغير، ولم تجد معه أقراص ريد الشهيرة ولا (الرش) الذي حرمته زوجتي علي البيت لإصابتها بحساسية صدرية مفرطة، لكن السلك كان يشعرنا بالأمان، أما ما أراه الآن فقد كان يشعرني بمنتهي الذعر.. عشرات.. ربما مئات الذبابات تقف علي السلك، وتحول لونه إلي اللون الأسود.. تتشبث به بقوة من الداخل وليس من الخارج.. أحاول أن أدعك في عيني مرة أخري، لكن الأمر صحيح.. صحيح لدرجة تجعلني عاجزاً عن الحركة والتفكير.. طرأ في ذهني أن أي محاولة ل (هش) الذباب ستكون فاشلة، فسيدخل مرة أخري إلي الشقة.. ثم فكرت في أن أرشه بالمبيد ليكون السلك هو آخر ما تعلق به في حياته، لكن تصور مشهد الذباب الميت وهو علي الأرض، وخوفي من أن أكلف بكنسه، نظراً لحساسية زوجتي المفرطة من الحشرات جعلني أتراجع عن الفكرة تماماً، لاسيما بعد أن هاجمني سؤال أكثر صعوبة، وهو : من أين أتي الذباب ؟؟ نظرت حولي لأستوضح أي نافذة أخري قد تكون مفتوحة فلم أجد.. فتشت في كل الثقوب والمداخل الممكنة فلم أجد !!! فكرت في أنني لو حاولت فتح النافذة بهدوء فقد يطير الذباب ليهجم عليّ شخصياً، كما أن تلويحي بيدي لن يقنع زوجتي التي لو رأتني وأنا ألوح في النافذة لن تصدق أنني أفعل ذلك مع الذباب، بل ستثار لديها حساسيتها المفرطة من ابنة الجيران الشابة التي تسكن أمامنا ولا يحلو لها نشر الغسيل إلا في فترات خروجي، كما لا يحلو لها الشعور بحرارة الجو والتخلص من أعباء الملابس إلا في لحظات وقوفي في النافذة، وهو ما أصاب زوجتي بحساسية مفرطة تجاهها، لاسيما وأنها حين قابلتها مصادفة في الشارع قالت لها ابنة الجيران : إزيك يا طنط، وهو ما أثار حساسية (العمر ) لدي زوجتي.. في الواقع زوجتي مصابة بحساسية مني أنا شخصياً، فلا تندهش، بل يمكنك الاندهاش وأنت تقف مثلي أمام الذباب الساكن الهادئ الذي أجاد اختيار المكان، وأصدر بعضه أصواته المزعجة التي تصاحب وقوفه بلزوجة علي الزجاج، والذي يثير لديك نوستالجيا صيد الذباب التي كانت تؤدي في النهاية لصرخة من أمك بأعلي ما تستطيع : إيه القرف ده يا معفنييييييين !!!! ذكرني الأمر وأنا مازلت متسمراً أمام المشهد بفيلم (طيور) لألفريد هيتشكوك، حيث تهجم الطيور علي المدينة، ويرحل الجميع، ليتركوها للطيور... كما ذكرني الأمر بأنني لم أجب بعد عن السؤال.. من أين يأتي الذباب ؟؟... جال بخاطري أن أمارس بعض الجنون.. ألتقط سيلفي مع الذباب. أقذف بالمياه عليه. أنفخ فيه بقوة لأري كم ذبابة ستموت وأستمتع برؤيتها تتهاوي. أحمل ملاءة كبيرة خفيفة وأضعها علي السلك بحذر بحيث لا أسمح بهروب الذباب ثم أفعل مثلما أفعل ببروز الأكياس البلاستيكية الحافظة للأجهزة الكهربية، والتي أتسلي بطرقعتها، لكن هذه المرة مع الذباب. أصطدم بالذباب في لحظة سحرية يسطع فيها البرق وتبعث السماء بشعاع كهربائي فأتماهي معه جينياً لأصاب بما يحولني إلي الرجل الذبابة ويصنعون لي فيلماً في مارفل أو دي سي كومكس، لكنني مع كل ذلك لم أجب علي السؤال : من أين يأتي الذباب ؟؟ تراجعت بظهري. نظرت عن يميني وعن شمالي ومن خلفي ومن أمامي ومن فوقي، واستعذت بالله أن يهجم الذباب عليّ من تحتي حتي وصلت إلي غرفة نومي... هناك.. كان المشهد أكثر رعباً.. ملأ الذباب فراشي بالكامل، ملتصقاً به بكل لزوجته، مصدراً صوته المزعج، متحركاً في هدوء المقيم غير المنتظر لأي عذاب أليم... كنت متعباً لدرجة لا تسمح لي باتخاذ أي قرارات مصيرية، ولا بالتفكير في أي شيء.. وجدتني أتجاهل كل شيء، وأتمدد علي الأرض، وأنام بينما ظل الذباب كما هو.. هذه المرة لم أسأل من أين أتي الذباب ؟؟ لم أعبأ بحساسية زوجتي ولا رد فعلها وما قد يحدث، لاسيما وأنها قللت من حساسيتها وهي تحاول أن تعرف : من أين يأتي الذباب ؟؟