ذهبت والمخرج عبد الغني زكي لمشاهدة عرض ∩الزومبي والخطايا العشر∪ نتاج ورشة الكتابة التي قام بها مخرج العرض طارق الدويري بالاشتراك مع نشوي محرم، التقينا ليلتها مع الناقد الكبير حسن عطية والكاتب المسرحي أبو العلا السلاموني، ما ان اتخذنا مقاعدنا إلا وطاردنا كشاف اضاءة متحرك في مؤخرة خشبة المسرح ارهق عيوننا واثار استفزازنا، ادركنا من الوهلة الاولي ان مخرج العرض يريد ان يصل بنا والمتفرجين معنا لهذه النتيجة الاستفزازية التي تجعل كل منا ∩زومبي∪ منوما مسلوب الإرادة والوعي، مثل شخوص العرض الذين يتحركون بلا وعي وبلا منطق وبلا معني فهم كما الأحياء العائدين من الموت، وجوهنا معكوسة مع بقية الجمهور علي شاشات في اجناب وخلفية خشبة المسرح لكي يؤكد المخرج أننا جميعا ∩زومبي∪، نحن مثل صورة ∩سيزيف∪ الذي يحمل صخرته في خلفية المسرح وكلما حاول الصعود تسقط منه فيعود ليحملها من جديد، فور خروجنا من العرض المبهر في تقنياته برغم التسجيلات الصوتية المشوشة التي لا تجعل الاذن تلتقطها بوضوح، نظرنا جميعا لبعضنا البعض وكل منا يسأل الآخر: ماذا يريد المخرج طارق الدويري بهذا العرض؟! وهل هو عرض مصنوع لفئة معينة من النخبة؟! وهل يستطيع المشاهد البسيط ان يستوعب العرض ويفك شفراته وطلاسمه الغامضة التي ستربكه وتجعله يكره المسرح ويقلع عنه؟! كان علي الجهة المنتجة للعرض ان توزع مع ∩بانفلت∪ العرض مذكرة تفسيرية ارشادية تقدم للمشاهد البسيط سطورا قليلة لرواية ∩1984∪ لجورج اورويل، ورواية ∩فهرنهايت 415∪ لراي برادبري، وكتابات واشعار وديع سعادة، باعتبارها المصادر التي قامت عليها ورشة كتابة وصناعة هذا العرض، لأن من لم يقرأ ما سبق أو يكون لديه ادني معرفة بتلك الروايات سوف يخرج من العرض وحالته النفسية والذهنية تجعله يصب اللعنات علي العرض وصناعه، قد يبدو العرض واضحا في ذهن صانعه، لكنه لن يكون كذلك بالنسبة للمتلقي البسيط الذي يستهدفه مسرح الدولة بالدرجة الأولي، لأن المسرح يصنع من اجل الجماهير بكافة فئاتها! لفت نظري في بانفلت المسرحية اشارة من الفنان محمد دسوقي مدير مركز الهناجر ان العرض ينتمي لمسرح ما بعد الحداثة، مسرح الصورة المفككة المعروضة بشكل غير منطقي للدخول لعوالم ∩أرتو∪ السحري لاقتناص لحظات القسوة، فهل سيتخذ مركز الهناجر هذا المنهج في كل عروضه، وهل جمهورنا في حاجة لهذه النوعية من المسرح الكابوسي، ورؤي طارق الدويري العنيد المتمرد الفوضوي الثائر، كما يقول محمد دسوقي؟ هل يفترض المخرج ان كل مشاهد بسيط قرأ رواية ∩1948∪ التي نشرت 1945، وعلي بينة بها كعمل روائي سياسي في قالب من الخيال العلمي، ويعرف انها رواية كابوسية تنذر بنهاية العالم وتصور عالما سيطرت عليه دكتاتورية تخنق أنفاسه وتغير مفاهيمه في الحرية والكرامة ونمط الحياة والعواطف، رواية تتناول رمزيات الاستبداد الذي فرض نوعا من عبادة الشخصية، وفرض مراقبة علي الناس تحصي أنفاسهم وتسجل أفكارهم ومشاعرهم وتجعلهم أشبه بالمنومين مغناطيسيا، في عالم تسوده الحرب الدائمة والمراقبة الحكومية الطاغية، ومحو التاريخ القديم وكتابة تاريخ آخر بديل! هل يفترض ايضا ان المشاهد البسيط قرأ رواية ∩فهرنهايت 451∪، وطالع كتابات واشعار وديع سعادة لكي يستوعب العرض ويفك شفراته ويحل ألغازه وطلاسمه ويتفاعل معه عندما يكون ملما بمغزي الرواية التي تحكي عن نظام شمولي يقوم بغزو العالم في المستقبل ويجعل التليفزيون دعاية سياسية له ويحرق الكتب علي درجة 451 فهرنهايت، ومن هذه وتلك قدم الدويري ∩الزومبي والخطايا العشر∪ التي تحتاج لمشاهد علي درجة كبيرة من الذائقة الخصوصية، الدويري مهموم في كل عروضه بهذه الاطروحات التي لا يشترط ان تكون ذهنية المشاهد علي نفس ذهنية ابداعاته، صحيح هناك فئة وهم نخبة،تستهويهم هذه الاشكال المسرحية والروائية، فعلي غرار ∩ 1948∪ كتب الجزائري ∩واسيني الأعرج∪ رواية ∩2084 حكاية العربي الأخير∪ التي يتناول فيها العالم العربي بما يعتبره انهيارا كبيرا وتشتتا وتمزقا وتقسيما يجعله في بؤسه واقعا بين طرفين، الطرف الغربي بقيادة الأمريكية الأوروبية، والآخر ∩التنظيم∪ المتطرف دينيا الذي يترجم في ذهن القارئ بتنظيم الدولة الإسلامية، وهي تتشابه مع رواية ∩عالم شجاع جديد∪ التي صدرت 1932 للبريطاني ألدوس هكسلي، ورواية ∩نحن∪ للروسي يفجيني زامياتين التي صدرت 1921، في رواية واسيني الأعرج ينقسم العالم إلي ثلاث دول كبري يتحكم في قلعة ∩أميروبا∪، أمريكا وأوروبا،التي تقع في عمق الربع الخالي ∩ليتل براذر∪ علي طريقة جده ∩بيج براذر∪ في إحصاء الأنفاس وهو يحتفل بمئويته في سنة 2084 التي تجري فيها أحداث الرواية. اعود مرة اخري مع عدم التقليل من تقنيات العرض المبهرة المتقنة لطرح السؤال: لمن نصنع المسرح، هل لفئة ونخبة محدودة، أم لجميع الناس الذين من حقهم ان يستوعبوا ويفهموا ما يطرح عليهم ؟!