أوباما خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل بعد عدة جولات من زيارات الوفود وجهود ملحة من جانب حكومة نتانياهو اتخذت شكل زيارات متلاحقة لواشنطن سواء من رئيس الوزراء الإسرائيلي أو وزير دفاعه، تبلورت مؤخراً الملامح الرئيسية لمذكرة التفاهم الجديدة الخاصة بزيادة المعونة الأمريكية العسكرية لإسرائيل، وهي الزيادة التي أشارت «صفحة من قلب اسرائيل» إلي إرهاصاتها قبل بضعة شهور. سياسة قديمة من المتوقع أن تضع زيارة الوفد الأمريكي لإسرائيل المزمعة خلال الأسبوع الجاري اللمسات الأخيرة المتعلقة بالتفاصيل الفنية لمذكرة التفاهم التي سترتفع بمقتضاها المعونة العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلي 4،1 مليار دولار سنوياً لمدة عشر سنوات تبدأ في 2019 وتنتهي في 2028. ما تسرب عن ملامح التفاهم الجديد يفيد بأن ما يجري الآن هو مراجعة تفاصيله وفق متغيرات العصر الإقليمية سياسيا واقتصادياً بحيث يحافظ علي الشرط الذي قام التفاهم الاستراتيجي من اجله أساساً وهو توثيق سياسة عمرها 30سنة تلتزم فيها الولاياتالمتحدة بضمان التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي في المنطقة. وهي سياسة تضمن امتلاك اسرائيل لأحسن منظومات السلاح والعتاد والتكنولوجيا الأمريكية، وألا تحصل أي دولة أخري بالشرق الأوسط بما في ذلك الدول العربية غير المعادية لإسرائيل بالضرورة علي أي منظومات تكنولوجية متقدمة قبل استشارة اسرائيل. في 2008 أدرج الكونجرس هذه السياسة كبند في قانون يلزم الرئيس الأمريكي بإطلاع الكونجرس كل 4 سنوات علي ما يتعلق بكل منظومات السلاح التي باعتها واشنطن لدول الشرق الأوسط. وتجري اسرائيل والولاياتالمتحدة محادثات ثنائية مكثفة للحفاظ علي التفوق العسكري الإسرائيلي خاصة في الفترات التي توقع فيها صفقات سلاح كبري مع الدول العربية. المعروف ان المعونة العسكرية لإسرائيل بدأت عام 1962 وقدرت إجمالاً بحوالي مائة مليار دولار، بينما بدأت المعونات المدنية الأمريكية تتدفق علي إسرائيل قبل ذلك منذ عام 1949 وكانت مخصصة لشراء الغذاء واستيعاب المهاجرين اليهود من الشتات في فلسطينالمحتلة. ابتزاز وتعويضات دائماً كان موضوع زيادة المعونات الأمريكية لإسرائيل رهناً بالمقايضات والتعويضات الخفية، فقد سجل 1979 أكبر عام حصلت فيه إسرائيل علي معونات عسكرية بلغت في حينه 15،7 مليار دولار، وكان ذلك تعويضاً عن قبول تل أبيب التوقيع علي اتفاق السلام مع مصر وعن الخسارة التي تكبدتها نتيجة انسحابها من سيناء. في العام الماضي بلغت المعونة العسكرية مبلغ 3،1 مليار دولار ويذكر تقرير نشرته صحيفة هاآرتس ان هذه المعونة تغطي فقط 16% من الميزانية العسكرية الإسرائيلية. مع ذلك أتاحت هذه المعونة للدولة العبرية الاتفاق علي اقتناء 33 طائرة من احدث المقاتلات الأمريكية من طراز إف 35 سعر الطائرة الواحدة 110 ملايين دولار، ومن المتوقع وصول أول طائرتين من هذه الصفقة إلي اسرائيل في نهاية العام الجاري. وتأتي هذه الصفقة ضمن التعويضات التي وافقت واشنطن سراً علي تحملها لإسكات معارضة تل أبيب للاتفاق النووي الذي أبرمته ايران مع الدول العظمي. اسرائيل كانت تصر علي إبداء معارضتها العلنية لهذا الاتفاق النووي، لكنها آثرت تأجيل المفاوضات الثنائية حول التعويضات التي ستقدمها الولاياتالمتحدة لها لما بعد التوقيع النهائي للاتفاق حتي لا تبدو موافقة علي مبادئه. لكنها كانت تمارس ضغوطها طيلة هذه الفترة لتحصل علي هذه الصفقة. في نفس السياق تمارس الدولة العبرية ابتزازها للولايات المتحدة لتسويغ زيادة المعونة العسكرية بالتذرع بصفقات شراء السلاح المحمومة التي تعاقدت عليها دول الخليج دونما انتظار لتوقيع الاتفاق مع ايران، الأمر الذي يلزم واشنطن بضمان التفوق النوعي لإسرائيل ويجعلها مضطرة للرضوخ للابتزاز الإسرائيلي. الأخ الأكبر مؤخراً أعلن نتانياهو علي هامش منتدي ديفوس الاقتصادي انه لم تتبق إلا شهور قليلة حتي يتم الإعلان عن الحجم الجديد للمعونة العسكرية الأمريكية، ولأول مرة منذ تولي باراك أوباما الرئاسة الأمريكية يُسمع نتانياهو وهو يشيد في احدي جلسات حكومته بإدارة أوباما التي وافقت علي تلبية المطالب الإسرائيلية برفع المعونة الأمريكية العسكرية لإسرائيل إلي 4،1 مليار دولار سنوياً التزاماً منها بالاتفاق الاستراتيجي الوثيق بينهما. الولاياتالمتحدة إذاً هي الأخ الأكبرحسب وصف المعلقين الإسرائيليين، هي الحامية والراعية بصرف النظر عن مدي القبول الذي يحظي به المسؤولون الإسرائيليون في واشنطن من عدمه، ومهما مرت العلاقات الثنائية بمطبات وعثرات وفضائح تنصت متبادل. وهكذا تدور السياسة الخارجية لأي إدارة أمريكية دائما في إطار الاتفاق الاستراتيجي مع اسرائيل.