د. أحمد عمر هاشم مع إطلالة ليلة مباركة، تتفتح فيها أبواب القبول نجأر إلي الله ضارعين، ومبتهلين، أن يمن علي أرض الكنانة، بعهد سعيد، يشرق فيه الوفاق الوطني بين كل الفصائل والأطياف، وتظلل ثقافة التسامح والمصالحة كل ربوعنا، معلنة أننا جميعا أبناء وطن واحد، نعيش فوق أرض واحدة، وتحت سماء واحدة، نتآخي بروح الحب والتواصل، لنبني معا وطننا، بالبذل والعطاء، والحب والوفاء. ولنغتنم فرصة الأيام المباركة، التي جعل الله تعالي فيها من نفحات الرحمة والنعمة، ما يكرم به عباده المتحابين في الله. »إن المتحابين علي منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس « وها نحن في شهر كريم، ونرصد ليلة قبول الدعاء فلشهر شعبان منزلة كريمة، ومكانة عظيمة، اختصه الله تعالي بأنه الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين، ولذلك كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، كما جاء في الحديث: »كان يصوم حتي نقول: لا يفطر ويفطر حتي نقول لا يصوم، وما رأيناه في شهر أكثر صياما منه في شهر شعبان وعندما سئل عن سبب كثرة صيامه فيه قال: »ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم«. وإلي جانب هذا، فقد جعل الله تعالي فيه ليلة مباركة ألا وهي ليلة النصف من شهر شعبان التي يستحب صيام نهارها وقيام ليلها والدعاء فيها، وقد ورد من الأدعية المأثورة التي جاءت بها بعض كتب السنة النبوية المشرفة، هذا الدعاء الذي يبدأ بقول: »اللهم ياذا المن ولا يمن عليه ياذا الجلال والإكرام ياذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين«. وهو من الأدعية المأثورة والتي وردت عن بعض الصحابة رضوان الله تعالي عليهم أجمعين، كما أخرجه أبن أبي شيبة في المصنف، والصحابي لا يأمر بشيء ولا يفعله إلا بتوقيف ومع أن الدعاء مخ العبادة، ومع أنه مطلوب في كل وقت وحين ومع ورود هذا الدعاء المأثور في بعض كتب السنة النبوية المشرفة، ومع ما هو ثابت وصحيح في فضل شهر شعبان بصفة عامة، وليلة النصف منه بصفة خاصة. مع كل هذا فإنه يحلو لبعض الناس كلما أشرقت علينا هذه الأيام المباركة، أن يشككوا الناس في فضل الليلة وفي الأحاديث النبوية الواردة بشأنها، وفي شأن الدعاء المأثور فيها. يتوقف الكثير منهم عند عبارة زيدت في الدعاء من بعض العلماء، وليست من الألفاظ المأثورة وهي عبارة: »التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم« وأن المقصود بها هي ليلة القدر، ونحن نقول إن المقصود ليلة القدر وهذه العبارة ليست من نص الحديث المأثور بل زادها بعض العلماء، كما وضح هذا كبار المحدثين والمحققين، وربما رأي الذين زادوا هذه العبارة أن الليلة هي ليلة الدعاء والاجابة ففيها خير للداعين يحققه رب العالمين. والذين أنكروا فضل هذه الليلة لا دليل لهم إلا ما قاله البعض بأن أحاديثها ضعيفة ولكن قال المباركفوري في »تحفة الأحوذي«، 367/3 بعد أن ساق أحاديث ليلة النصف من شعبان: »فهذه الأحاديث بمجموعها حجة علي من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء«. وقال الشيخ عبدالله بن الصديق الغماري ردا علي منكر أحاديث فضلها قال: »في هذا غلو وإفراط«. وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتابه: »اقتضاء الصراط المستقيم«، ص23: »ليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما تقتضي أنها مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة«. وحسبنا أن نذكر هنا اختصارا في الكلام حديثا صحيحا في فضل هذه الليلة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »يطلع الله علي عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن«، رواه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط وقال الهيثمي في المجمع: ورجالهما ثقات .كما رواه ابن حبان وإليهقي في شعب الإيمان، وهذا الحديث درجته: أنه صحيح وجاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم. وقد أورد المحدث العلامة الإمام محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية في كتابه: »ليلة النصف من شعبان« معظم الأحاديث الواردة فيها ثم قال رحمه الله: »وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها ضعف أولين فهي مجبورة ومعتضدة يتعدد طرقها وشواهدها وهكذا تأخذ رتبة »الحسن« علي الأقل. كما أورد رحمه الله الدعاء المشهور: »اللهم ياذا المن« وهو دعاء أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود رضي الله عنه وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما دعا قط عبد بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته: »ياذا المن ولا يمن عليه ياذا الجلال والاكرام ياذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين ومأمن الخائفين«. وأورده السيوطي في الدر المنثور والألوسي في روح المعاني، وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود.. وقال الإمام محمد زكي إبراهيم رحمه الله: ومثل هذا الدعاء مع الإخبار بأن الداعي به يوسع عليه في رزقه.. إلخ لا يكون أبدا إلا بتوقيف نبوي فليس من شأن صحابي ولا غيره أن يخبر بجزاء عمل غيبي »فيكون بذلك له حكم المرفوع«، بخاصة »أن النبي صلي الله عليه وسلم والوحي مخصوص به لا ينزل إلا عليه وآداب الصحابة لا تأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله«. وقد أسند الإمام القرطبي هذا الدعاء إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق أبي عثمان النهدي. وبناء علي هذا يكون هذا الدعاء معروفا للصحابة متداولا بينهم.