شادية كنت واحدا من الملايين اللي أزعجهم خبر مرض الفنانة الكبيرة شادية ونقلها إلي العناية المركزة بمستشفي الصفا لاصابتها بالتهاب رئوي حاد. وأخذت استمع إلي جميع الإذاعات المختلفة وهي تقدم مجموعة من أروع أغانيها التي تشهد دائما علي تطور هذه الفنانة العظيمة كمطربة رائعة في مشوارها الفني الطويل مع كبار الملحنين: منير مراد (واحد اتنين ان راح منك ياعين يا دبلة الخطوبة)، محمود الشريف (في الهوا سوا ياحسن ياخولي الجنينة)، خالد الأمير (اتعودت عليك)، عمار الشريعي (لما كنا صغيرين)، رياضي السنباطي (لحن الوفاء)، بليغ حمدي (مكسوفة حبيبتي يامصر)، إلي جانب روائع أخري لمحمد عبدالوهاب ومحمد فوزي ومحمد الموجي وسيد مكاوي وكمال الطويل والتي غنتها الفنانة الكبيرة في مشوارها السينمائي الطويل منذ أن اكتشفها المخرج حسين حلمي المهندس عندما شاهدها في الاستديو وهي تزور شقيقتها الممثلة عفاف شاكر (ابنة نجيب الريحاني في فيلم أحمر شفايف وزوجة الوجه الجديد في ذلك الوقت كمال الشناوي). وقد مثلت شادية مع معظم كبار نجوم ومخرجي السينما المصرية وهي الفنانة الوحيدة التي مثلت بطولة ثلاثة أفلام مع العندليب عبدالحليم حافظ (لحن الوفاء ودليلة ومعبودة الجماهير)، كما أنها مثلت مع فريد الأطرش (ودعت حبك وأنت حبيبي) من اخراج يوسف شاهين وهي أكثر فنانة قامت ببطولة عدة أفلام مأخوذة عن قصص الروائي العالمي نجيب محفوظ (زقاق المدق والطريق واللص والكلاب وميرامار). وعادت بي الذاكرة لأتذكر المرة الأولي التي رأيت فيها شادية.. كنت طالبا بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وفي نفس الوقت أعمل »بالقطعة« في البرنامج الأوروبي وإذاعة الشرق الأوسط حيث كان من المستحيل تعييني قبل تخرجي في الجامعة. وفي رمضان اختارني الكاتب الصحفي الكبير نبيل عصمت لأقدم برنامجا ساخنا يعده ويذاع في فترة بعد الافطار مباشرة باسم: (أوافق.. أمتنع) وهو برنامج يعتمد علي توجيه عدد كبير من الأسئلة الساخنة للضيف وله أن يجيب عليها أو يمتنع.. ومعظم نجوم الحلقات كانوا من كبار الفنانين والأدباء والإعلاميين بحكم صلتهم الوثيقة بمعد البرنامج. وعندما ذهبنا إلي منزل شادية أمام حديقة الحيوان بالجيزة ودخلت علينا »فتوش« وهو اسم الدلع لفاطمة شاكر الشهيرة بشادية بهرت ببساطتها ورقتها واستقبالها الحار جدا للأستاذ نبيل وتابعه أنا.. وكنت أحمل جهاز تسجيل إذاعي عتيق جدا اسمه »مايهاك« وجلست أمامها مبهورا.. ولا أصدق انني أجلس وجها لوجه أمام النجمة التي عشقتها من أغانيها وأفلامها.. وأخرج الأستاذ نبيل عصمت الأسئلة الحرجة من جيبه ووضعها أمامي وبدأت أسألها: - لو حبيتي تهدي كرافتة شيك حلوة تهديدها لمين: عماد حمدي.. فريد الأطرش.. ولا زوجك الحالي صلاح ذوالفقار؟ - لو في دعوة للعشاء من فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ تروحي انهي دعوة فيهم؟ - لو في فرح بتغني فيه وردة وفرح تاني بتغني فيه فايزة أحمد وانتي معزومة في الاتنين حتروحي انهو فرح الأول؟ - ونظرت شادية نظرة طويلة للأستاذ نبيل عصمت وقالت له: (معلش يانبيل بلاش أنا في البرنامج ده.. أنا محبش أزعل حد مني). وفعلا لم يتم تسجيل الحلقة وهكذا كانت شادية دائما بعيدة عن القيل والقال لا تجيب سيرة حد ولا تزعل حد وهي دائما حبيبة الكل. وبعدها بسنتين اختارني المخرج الإذاعي الكبير محمد علوان لأقوم بدور »علام« المكوجي الذي يحب في صمت بطلة المسلسل الرمضاني الإذاعي »صابرين أو شادية« وكدت أجن من الفرح وأنا أقف أمام الميكروفون لأسجل معها حلقات المسلسل وطوال فترة التسجيل كانت دائما شادية تناديني باسمي في المسلسل »ياواد يا علام« حتي عندما كنت أطلبها في التليفون كانت ترد علي مكالمتي بجملة: (عاوز ايه ياواد يا علام). ثم جمعني أول عمل سينمائي معها وهو رائعة المخرج فطين عبدالوهاب (نص ساعة جواز) وفي الفيلم شاركتها الغناء بلحن بديع لبليغ حمدي وكلمات المبدع محمد حمزة وهي أغنية »سكر حلوة الدنيا سكر« ونجح الفيلم نجاحا كبيرا واستمرت صداقتي بالفنانة الكبيرة وشقيقها المرحوم طاهر شاكر عدة سنوات وعندما قمت بتنظيم مهرجان للأغنية في مدينة الاسماعيلية اخترت شادية لتكون هي نجمة الحفل والذي غنت فيه معظم أغانيها الرائعة. وبعدها بعدة سنوات وبعد قيامها ببطولة مسرحية »ريا وسكينة« ولظروف خاصة بها أهمها وفاة شقيقها طاهر الذي كانت تعتبره ابنها قررت شادية الاعتزال.. بذلك الوقت كنت قد كونت فرقتي الاستعراضية التي كانت تقدم عروضها في أحد الفنادق الكبري وأثناء تقديمي لفقرتي فوجئت أن بين الموجودين في القاعة.. شادية وتذكرت الأغنية التي شاركتها الغناء »سكر حلوة الدنيا سكر« وبدأت في غنائها بعد توجيه تحيتي لها ثم نزلت إليها من علي المسرح والميكروفون في يدي وقدمته لها فغنت شادية معي وهي في منتهي الانسجام وأنا أكاد لا أصدق ان المشهد السينمائي الجميل في الفيلم يتكرر مرة أخري. وانني أغني مع تلك الجوهرة النادرة من زمن الفن الجميل. ولن أنسي أبدا ما قاله لي نادر ابن الفنان الكبير عماد حمدي من زوجته الأولي المطربة فتحية شريف حينما سألته عن علاقته بشادية بعد زواجها من والده عام 3591 أثناء عملهما معا في فيلم »أقوي من الحب«. قال لي نادر عماد حمدي: (ماما شادية لم تكن أبدا زوجة أبي بل كانت أمي فعلا.. إن ماما شادية الوحيدة التي وقفت بجوار والدي في سنوات الاكتئاب والوحدة التي مر بها قبل رحيله.. إن ماما شادية لا تتأخر أبدا عن أي طلبات أطلبها منها.. إنها ماما فعلا وأنا أناديها بماما وهذا النداء يسعدها جدا فقد تمنت دائما أن تكون »أما« واعتبرتني أنا والمرحوم اخوها طاهر أولادها.. ماما شادية ربنا يخليها ويديها الصحة). وأنا أضم صوتي لصوت نادر وأقول للفنانة الكبيرة ربنا يديكي الصحة يا شادية ويزود إيمانك كمان وكمان وشكرا علي هذا الرصيد الرائع الكبير من الفن الراقي الذي تركته لنا سواء في السينما أو في الغناء.