مصر لن تعود إلي الوراء .. ولا بديل عن صندوق الإنتخابات قلت له: خمسة وزراء ثقافة منذ اندلاع الثورة.. هل يعبر ذلك عن اهتمام خاص بالثقافة أم العكس؟ أجاب: لا شك أن ذلك يؤثر سلبياً علي العمل الثقافي.. فالفترة السابقة لم تتح لأي من الوزراء السابقين أن يعمل بهدوء.. نحن متفهمون أن المجتمع يمر بفترة حرجة في أعقاب ثورة أحدثت تغييراً كبيراً سياسياً واجتماعياً.. والثقافة دائماً موضع اهتمام المجتمع.. لكن شهدت هذه الفترة احتجاجات ومظاهرات عديدة ومحاولة إرضاء الغاضبين ورفع الظلم عن المظلومين ونحن أحوج ما نكون الآن لاستعادة الهدوء لنفكر في رؤية مستقبلية للثقافة ليس لأهميتها في الحاضر والمستقبل وانما لأنها ظلت دائماً القوة الناعمة والداعم الأكبر للدور السياسي المصري. هل لمست تغييراً في الاهتمام بالثقافة بعد الثورة.. أم لا يزال الحكم مبكراً عليها؟ الإدارة المصرية للدولة الآن لديها أولويات خاصة بالبنية الأساسية في التعليم والصحة والاسكان والبنزين والمطالبات المعيشية، ونحن نقدر هذه الأولويات. لكننا نعمل الآن في ظروف غاية في الصعوبة في ظل وضع مالي لا يحقق طموحات وفي ظل علاقات تفتقد التنسيق.. فالثقافة لا تعمل بمعزل عن المجتمع وانما بالتنسيق مع قطاعات أخري معينة مثل وزارتي التعليم والإعلام والأحزاب والمجتمع المدني.. وأري ونحن نتطلع لبناء دولة جديدة أنه لابد من تواصل مع كل هذه المؤسسات فوزارة الثقافة لا تصنع إبداعا إنما تدعمه.. المدرسة تكتشف المبدعين والوزارة تتلقف هذه الابداعات وتدفع بها إذا فقد الاتصال بين هذه المؤسسات يحدث التراجع الثقافي. أزمة وطن كيف تنظر للفترة التي تتولي فيها مسئولية العمل الثقافي؟ أعمل بمنطق إدارة الأزمة.. فالوطن في أزمة وهناك مشاكل كثيرة للعاملين في الوزارة »أكثر من 53 ألف موظف« معظمهم غير مؤهلين للعمل الثقافي وهذا ليس ذنبهم وعلينا أن نؤهلهم ومن الضروري أن نؤمن بأهمية التدريب وإعادة التأهيل في كل القطاعات إذا أردنا النهوض بهذا الوطن فعلينا بإقامة مشروع قومي للتدريب في كل وزارة من خلال رؤي وسياسات وبرامج تدريب مستدامة. وماذا ستفعل مع ثعابين الثقافة.. أعني بعض الموظفين الذين يتقاضي أحدهم 04 ألف جنيه شهرياً؟ نحن في مجتمع نتفهم مشاكله.. وهذا الرقم أتحفظ عليه فلا يوجد موظف يتقاضي أربعين ألف جنيه.. وأتطلع لنصل بالأجور للحد الأدني والأقصي فليس من الانصاف أن تحاسبي موظفا لا توفري له حدا أدني من الحياة الكريمة.. والدول التي راهنت علي التقدم اتخذت من البشر وسيلتها.. وأعمل بالفعل علي ملف الأجور داخل الوزارة وأري ألا يساوي أي تعديل بين الذين يعملون والذين لا يعملون لابد من وجود قاعدة »للاثابة« ويتم ذلك بالتفاهم والحوار والشفافية. ما الملفات المهمة التي تضعها في أولوياتك؟ العمل الثقافي لن يتوقف وهناك عشرات الأنشطة تتم كل يوم في قصور الثقافة والأوبرا والمكتبات ونحن نعمل علي فكرة تعظيم الامكانات المتاحة فلدينا مبدعون في شتي المجالات وعلينا تسهيل مهمة المبدعين وأن نتوجه بالثقافة إلي المجتمع وأتصور أن يكون هناك مجلس أمناء من داخل الاقليم لكل قصور الثقافة.. أيضاً سنعني أكثر بقضايا المرأة وذوي الاحتياجات الذين سقطوا من اهتمام الدولة وكذلك المثقفون الكبار الذين يواجهون أزمات في حياتهم لابد أن تتبناهم الدولة وتتولي علاجهم ولابد أن تظل الثقافة المصرية تاجا علي رؤوس كل المصريين. ألا تخشي من عدم تمكنك من تنفيذ رؤيتك للعمل الثقافي؟ أعمل بمنطق أني »قد أترك مقعدي غداً وقد استمر سنوات« وسيأتي من يكمل بعدي والحديث الشريف يقول: »إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيله فليزرعها«. هل تستكمل ما بدأه من سبقوك؟ طبعاً.. فهناك خطوات تمت في مهرجانات السينما بالقاهرة والاسماعيلية ومهرجان السينما الأوروبية والافريقية.. ولابد من استكمالها وهناك اتفاقات مع وزارة التعاون الدولي لدعم السينما بما تحتاجه مادياً وفنياً.. وأيضاً لاستكمال أعمال الاصلاحات بالمسرح القومي. وما طبيعة هذه الاتفاقات؟ العمل في المسرح القومي توقف منذ فترة بسبب التمويل ويحزنني أن يبقي هذا المسرح العريق مظلماً فأنا من جيل عاش في ظل نهضة مسرحية في القومي والجمهورية ومسرح الجيب وكنا نحجز كاتحاد طلبة حفلة كاملة بخمسين جنيهاً ويدفع الطالب خمسة قروش لحضورها.. وأتمني أن يعود المسرح لأن الشباب الذين يشاهدون المسرح والسينما ويتذوقون الفن يكونون أكثر تواصلاً مع المجتمع وقد شكلت لجنة تحدد ما يحتاجه المسرح القومي لكي يعود كما كان.. ووعدت وزيرة التعاون الدولي د.فايزة أبوالنجا بحل مشكلة المسرح ونأمل أن يعود مضيئاً نهاية هذا العام. وماذا عن مشروع قانون الوثائق؟ نجري تعديلات علي اللائحة التنفيذية له وسنعرضه في وقت قريب علي البرلمان. هناك لغط كبير حول الرقابة ما بين دعوات لإلغائها ومخاوف من زيادة قبضتها..مع أي فريق تقف؟ أنا ضد الرقابة الخانقة وأقف تماماً مع حرية الابداع والفكر وأؤمن بالرقابة المجتمعية فالعمل الرديء يلفظه الناس وأدرك أن الفنان مسئول بطبعه.. لكنني أتحفظ علي دعوات إلغاء الرقابة لأن هناك أعمالاً قد تسيء لآخرين.. أو تقلل من جماعة عرقية أو من فئة معينة لكنني ضد الرقابة التي تقول للمبدع »تقصد إيه بالجملة دي«.. وسوف يكون من أولوياتي تطوير فكرة العمل الرقابي بالمعني التشريعي والقانوني لابد أن تتغير رؤيتنا لهذا الجهاز. رهان علي المصريين ألا تشعر بالقلق كمثقف من فكرة اختطاف مدنية الدولة؟ لست قلقاً لأنني أراهن علي المصريين.. فلا يوجد تيار سياسي يستطيع أن يقلب هوية مصر مهما كانت قوته. وكيف تري المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية في ظل دعوات متزايدة بمقاطعتها؟ مهما كانت نتائجها فلا بديل أمامنا إلا الصيغة التي ارتضاها المجتمع ولا يوجد صيغة أخري يمكن أن يرتضيها أكثر من خمسين مليون ناخب سوي صندوق الانتخابات فلا بديل عنه سوي الهاوية والخلاف والشقاق.. ثم إن الحياة لا تتوقف أبداً والرئيس القادم سيبقي أربع سنوات وهي لا تساوي شيئاً في عمر الأوطان ولا الثورات ولن يكون القادم حاكماً مطلقاً ولا ديكتاتوراً وستظل الصورة المأساوية لنهاية مبارك حاضرة لكل من يأتي حاكماً لمصر ستجعله في منتهي الحذر والشفافية.. والناس أيضاً ستكون رقيبة عليه وأتصور أننا بعد 4 سنوات من الآن سنختار رئيساً أفضل ومجلس شعب أفضل لأنه سيكون لدي الناس وعي أكبر فمصر لن تعود للوراء أبداً. أخطاء مبارك كيف رأيت محاكمة مبارك وما هي الأخطاء التي دفعت به لهذه النهاية؟ التداول الديمقراطي هو العصا السحرية التي طورت دول العالم.. لا يجوز أن يأتي مسئول ليجلس إلي الأبد نظام مبارك أهمل البشر وكان هذا هو الخطأ الجسيم أهملهم في التعليم والصحة وأهمل أحوالهم المعيشية وأهمل التواصل معهم. قال الفنان فاروق حسني وزير الثقافة السابق أنه »أحد أخطاء مبارك«.. لاستمراره في الوزارة 32 عاماً.. ما رأيك وقد عملت معه ؟ اذا كان قد قال ذلك.. فهو صادق فيما يقوله لأن التغيير دائماً مطلوب لكن في عهد فاروق حسني أقيمت بنية ثقافية واسعة في المسارح والمتاحف والمكتبات وقصور الثقافة والأوبرا في القاهرة ودمنهور.. ويكفيه ما أنجزه في دار الكتب القديمة التي تعد مفخرة لكل مصري وكذلك شارع المعز. والرجل كان يعمل بهمة ونشاط واضح لكن مشكلتنا هي أننا في خصومة مع الماضي.. بعد ثورة يوليو وقعنا في خصومة غير موضوعية مع الماضي والعالم يتقدم بالتراكم.. نعم كانت هناك أخطاء كبيرة للنظام السابق لكن كانت هناك أيضاً مشروعات ناجحة لا ننكرها. ألا تخشي أن يهاجمك البعض لهذا الرأي ؟ أفخر أنني لم أكن في أي يوم محسوباً علي أحد لا حزب ولا جماعة.. ولا خادماً لتيار معين أنا رجل تكنوقراط أؤمن بالديمقراطية وأمارسها حتي في بيتي فقد احتفظت لنفسي باسم الرئيس الذي أنتخبه وقلت لأولادي » عندي ثلاث بنات وشاب جامعي وستة أحفاد« إنني لا أريد أن أعرف من ستختارون.. كل حر في مجتمع حر.