من البداية قلنا إن هذا لن يكون برلمان الثورة، وأن غاية ما نأمله ألا يكون برلمان الثورة المضادة! ولكن يبدو أن الظروف ستضعنا أمام خيار ثالث، وهو برلمان «الحد الأدني» الذي يشبه الوجبات المتنوعة التي توفرها الحكومة الآن في المجمعات الاستهلاكية بجهد مشكور ومقدر، والتي تمتاز بتنوع الأصناف وتوفر الحد الأدني من الاحتياجات الغذائية الصحية لأربعة أشخاص. هذا بالطبع إذا تم توزيع محتويات الوجبة بالعدل، وليس بالطريقة التي كانت تتبعها حكومات الحزب الوطني «المنحل» في توزيع الدخل، والتي كانت تعطي اللحوم والخضروات وكل ما في الوجبة الغذائية من سلع لها قيمة للفئة المحظوظة، وتترك للغلابة ما يتبقي من الوجبة (أو من الدخل القومي) فيخرج الفقير من المولد، أو من ثمار النمو الكبير في الدخل القومي والذي بلغ ما يقرب من 7٪ بنصيب لا يتجاوز ثمرة خيار أو جوافة في وجبة من وجبات المجمعات الاستهلاكية! وبمناسبة الحديث عن الحزب الوطني.. فقد حدثني أحد أعضائه العائدين إلي البرلمان الجديد (!) ليقول لي بسعادة غامرة: إن هذه أفضل انتخابات خاضها! بالطبع.. لم يكن يقصد نزاهة عملية التصويت، ولكنه كان يقارن بين ما قابله في الانتخابات الحالية وما قابله في انتخابات قبل الثورة حيث كان يقف علي أبواب كبار المسئولين في الحزب ويقدم ما يستطيع من جهود، ويستعين بوساطة النافذين طلبا للرضا.. ويدفع ثمن الوساطة وثمن الرضا لكي يفوز بترشيح الحزب ويضمن مقعد البرلمان. الأمر اختلف هذه المرة كما يقول، جلس في بيته ليتوافد عليه مندوبو الأحزاب يطلبون رضاه ويعرضون المساعدة ويتكفلون ب «التمويل» لكي ينزل الانتخابات باسم هذا الحزب أو ذاك. وعندما اختار، كان الحزب الذي اختاره كريما للغاية معه! وكذلك كان الأمر مع آخرين اختاروا أحزابا أخري.. فالمنافسة كانت بين مليونيرات قرروا اللعب علي المكشوف، بعد أن كانوا أيام الوطني يكتفون باللعب من وراء الستار!! والملايين العديدة تنزل للسوق مباشرة بعد أن كان الوسطاء فيما مضي يلتهمون نصفها! والمنافسة لا علاقة لها ببرامج أو سياسة. والأحزاب التي تمثل المقدمة لا فرق بينها أكثر من الفرق بين وجبات المجمعات الاستهلاكية، وما عليك إلا أن تختار نوع البروتين الذي تفضله إذا كان من اللحوم أو الدواجن أو الأسماك، وأن تختار الأفضل من المعروض أمامك بقدر المستطاع.. وبالهنا والشفا!.