في عام 1945 ألقت الولاياتالمتحدة أول قنبلة ذرية في التاريخ علي اليابان لتحسم الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك بشهور قلائل أصدر العالم المصري علي مصطفي مشرفة كتاباً من أوائل الكتب في العالم عن هذا الشيء الغريب الذي صار حديث الدنيا كلها : الذرة. وسمي مشرفة كتابه « الذرة والقنابل الذرية « وفي هذا الكتاب الصغير طرح مشرفة أفكاراً في غاية الأهمية، منها : - إن امتلاك السلاح النووي في حد ذاته يمثل رادعاً لمن يفكر في استخدام هذا السلاح ضد مصر. - ضرورة استخدام مصر للذرة في الأغراض السلمية، وخصوصاً في مجال توليد الطاقة الكهربية. ولم يكتف الرجل بهذا بل اجتهد لتحديد الأماكن التي يمكن البحث فيها عن اليورانيوم في مصر، وبعد هذا الجهد العلمي السابق لعصره وجه إحدي تلميذاته ( نبوية موسي ) لدراسة الاستخدام السلمي للذرة، لولا أن وافتها المنية في الولاياتالمتحدة، في حادث غامض لم يكشف سره حتي الآن. وتوفي مشرفة عام 1950 دون أن يري بارقة أمل تبشر بظهور أفكاره للنور، حتي جاءت ثورة يوليو وقرر عبد الناصر أن تدخل مصر المجال النووي، وأنشأ مؤسسة الطاقة الذرية 1955، وأقام مفاعلاً نووياً في أنشاص، وافتتح قسماً للهندسة النووية بهندسة اسكندرية، وتوج هذا كله بالإعلان عن إقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر بمنطقة سيدي كرير، لولا نكسة يونيو التي أوقفت المشروع. بعد حرب 1973 فكر السادات في إحياء المشروع، وقرر إنشاء ثماني محطات في منطقة الضبعة، ورحب نيكسون بتقديم مفاعلين لمصر، لكنه اشترط علي السادات شروطاً، منها : حق التفتيش علي المفاعلات النووية المصرية، وأن تصدق مصر علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية رغم أن إسرائيل لم توقع علي نفس المعاهدة، ورفض السادات وتجمد المشروع. في عهد حسني مبارك تجددت الفكرة، إلا أن حادث مفاعل تشرنوبيل 1986 أوقف كل شيء. ووصلت الأمور بعد ذلك لحد أن بعض رجال الأعمال بذلوا جهوداً مضنية لتحويل الضبعة لمنطقة سياحية، وكأن مصر لم تعد بها أراضٍ تصلح للمشروعات السياحية غير الضبعة. وفي أواخر حكم مبارك أعلن جمال مبارك أن مصر ستعيد الحياة للمشروع، وتصادف أن مسلسلي « مشرفة : رجل من هذا الزمان « كان يتم تصويره فطلب أنس الفقي وزير الإعلام آنذاك الانتهاء منه في وقت مناسب لعرضه بمناسبة التوقيع علي الاتفاقية الخاصة بالمشروع. لكن الثورة قامت في يناير 2011 فتوقف كل شيء، بل قام بعض الأهالي باقتحام المشروع والعبث بمحتوياته بما فيها الأجسام المشعة. اقتنع السيسي بضرورة دخول مصر المجال النووي علي أساس أن الطاقة النووية هي الحل الأساس لمشكلة الطاقة في مصر. وقررت مصر أن تبدأ ببناء أربع محطات لتوليد الطاقة، وطرحت المواصفات التي تريدها عالمياً، وفتحت الباب أمام الجميع لتقديم محطات ذات قدرة عالية، ومواصفات تضمن السلامة، وتقوم في الوقت نفسه بتدريب المصريين التدريب الفني المطلوب، وتعطي مساحة مناسبة لمساهمة مصر في بناء المحطات الأربعة التي سيبدأ بها المشروع، واستقر الأمر أخيراً علي أن تقوم روسيا ببناء المحطات. لقد انتظرت مصر طويلاً حتي تري حلمها يخطو خطوته الأولي نحو التحقق، انتظرت سبعين عاماً، منذ أن طرح مشرفة الفكرة حتي تم توقيع الاتفاق مع روسيا. ياإلهي كم نتحرك ببطء السلحفاة ؟ لقد كانت الهند رفيقة دربنا في بدايته وهاهي الآن دولة نووية، تملك محطات توليد الطاقة والقنابل الذرية أيضاً. وهاهي إسرائيل التي بدأت مشروعها النووي معنا تقريباً صارت تمتلك القنابل النووية منذ سنوات طوال، لكن مصر وحدها وقفت تتفرج، وتفرجت طويلاً حتي استحكمت أزمة الطاقة ولم يعد أمامها حل جذري سوي الطاقة النووية. فشكراً للسيسي الذي وضع الحلم علي طريق التنفيذ ونرجو ألا يوقفه شيء هذه المرة.