اللهم ارحمنا من المفتين الذين يخرجون علينا ليدلوا «بدلائهم» فيما يفهمون وفي غير ما يفهمون يحللون ويشرحون ويسهبون في تفاصيل الوقائع والاحداث بلا فهم وبلا ادراك وكأنهم عالمون ببواطن الأمور والمصيبة أن تأتي تلك الافتاءات من بعض المسئولين لتزيد الطين بلة والكارثة غموضا. بحكم عملي وتخصصي أنا قريب جداً من قطاع الطيران المدني رأيت وشاهدت وكتبت وقمت بالتغطية الاعلامية بنجاح لعشرات الوقائع والحوادث والاحداث في خطف طائرات او كوارث سقوط مدوية وعلي رأسها قطعاً طائرتنا التي هوت في المحيط قبالة السواحل الأمريكية عام 1999، تعودت الا الجأ الا لأهل الخبرة والمسئول الذي لديه المعلومات بجانب ما تشاهده عيني واحققه بدقة، ولكن ما اراه فيما حدث في سقوط الطائرة الروسية صباح السبت الماضي فوق الحسنة بسيناء - وهو بالمصادفة الغريبة يوم سقوط طائرتنا منذ 16 عاماً في امريكا ومصرع ركابها ايضاً ال 217 - أثارني بشدة من كثرة التحليلات التي أوردها امثال هؤلاء المفتين في كل الفضائيات ومنهم مع الاسف أشخاص غير متخصصين وغير مسئولين حتي معدو البرامج غير الفاهمين وجهوا أسئلتهم لضيوفهم وكأن الأمر في الحادث واضح واسبابه ظاهرة، فمنهم من افتي ان الطائرة انفجرت ومنهم من قال إنها احترقت في الجو و آخرون قالوا إنها اصطدمت بالجبل وغيرهم ساروا وراء أنها ضربت من الأرض.. تفاسير غريبة وعاجلة خرجت حتي قبل ان تكتشف الطائرات الحربية مكان السقوط، في عرف الطيران ومن دفاتر التحليلات وتحقيقات الحوادث لا يتم الكشف عن الأسباب بسهولة خاصة إذا لم تكن الدلائل واضحة كالدخول في منطقة عمليات عسكرية أو عواصف كبري وحتي تلك لا يمكن كشفها الا بعد تحليل دقيق لبيانات الصندوق الاسود وهما اثنان أولهما يسجل بدقة كل المحادثات التي تتم مع كابينة القيادة وطاقم قيادتها وأبراج المراقبة بالمطارات المختلفة التي تتعامل معها والثاني يسجل بدقة عشرات الآلاف من العمليات الدقيقة التي تتعلق بعمل اجهزة الطائرة الميكانيكية والهيدروليكية والملاحية لحظة بلحظة لتوضح للجان التحقيق كيف كانت تعمل الطائرة وأين موقع الخلل إذا اصابها وهنا في حالات الصيانة الدورية والعمرات يرجع اليها وتفريغها بناء علي كتاب الطيار الذي يحدد فيه انواع الأعطال لاصلاحها تلك البيانات التي يخرجها الصندوقان هما سر الحوادث هما ما يتم عن طريقهما تحديد ما حدث بدقة وعادة ما تلجأ سلطات التحقيق إلي عمل السيناريو الكامل للحادث منها وتقدم الدليل الواضح بالتفاصيل، قبل ذلك وقبل التحليلات بمعرفة اللجان الفنية ولجان تحليل الحوادث لا يمكن بأي حال من الأحوال الافتاء بما حدث اللهم الا إذا كانت الحادثة واضحة تماماً كما حدث في استهداف ابراج التجارة العالمية الامريكية. «المفتون» ايضاً خرجوا علينا بأن لجانا دولية ستتولي التحقيق في الحادث ومنهم من قال ان السفير الروسي صرح بأن الصناديق السوداء يتم نقلها لروسيا لتحليلها وكأننا في غابة. مع ان القانون الدولي ومنظمات الطيران التي تنظم شئونه تعطي الحق لمصر وحدها في إجراء التحقيق ويمكنها ان تشرك فيه ووحدها ايضاً الشركة الصانعة وخبراء من البلد المالك للطائرة والحمد لله لدينا القدرة علي ذلك بأجهزة وزارة الطيران المدني ما استفزني حقيقة هو تصريح أحد المسئولين من ان الطائرة اجري عليها الكشف الفني بمعرفة سلطات مطار شرم الشيخ واتضح سلامتها التامة وهو تصريح غريب غير مسئول من مسئول لان عمليات الصيانة قبل الرحلات عادة ما تتم بمعرفة الشركة الناقلة خاصة رحلات الشارتر ولا علاقة للمطارات بها وهو ماأكده لي الطيار حسام كمال وزير الطيران المدني.