وصل تعداد العالم منذ بداية الخلق حتي عام 1800 ميلادية حوالي بليون نسمة. زاد بليوناً ثانياً في عام 1922 أي علي مدي 122 سنة، وبحلول عام 1959 أي بعد حوالي 37 سنة زاد البليون الثالث. وهكذا أخذت معدَّلات الزيادة في التسارع لتضيف بليون نسمة إلي التعداد علي مدي فترات تتناقص باستمرار حتي أن البليون السابع أضيف في الفترة ما بين 1999 و2010 أي علي مدي أحد عشر عاماً فقط، ويتوقع الخبراء إضافة البليون الثامن في بحر ثماني سنوات فقط بحلول عام 2018، ولهذا يستخدم مصطلح الانفجار السكاني ليعبِّر فعلاً عن نمط هذا النمو السكاني الرهيب. يتزايد عدد السكان في مصر بنفس النمط تقريباً فقد كنا حوالي عشرين مليوناً في آخر الأربعينيات زاد العدد ليصل إلي 70 مليوناً في تعداد 2000 ويقترب من التسعين مليون في وقتنا الحاضر (2015)، ويتوقع الخبراء أن تصل الزيادة إلي 110 ملايين نسمة بحلول عام 2030. تشكل هذه الزيادة السكانية المتسارعة جذور المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وهو التحدي الأكبر الذي يواجهنا كدولة. للمشكلة السكانية عدة أبعاد متباينة لا تقتصر علي البعد العددي فقط فأحد أهم الأبعاد الذي لا يقل بل قد تفوق أخطاره البعد العددي هو التكدس ويأتي علي رأس التحديات في هذا المجال. والتكدس ظاهرة عالمية لا تقتصر علي مصر فقط فالنمو الرهيب في أعداد السكان غير موزع بنظام علي سطح الأرض ولا يعيش في نفس الظروف المعيشية وهي مشكلة ضخمة تشكِّل خطراً كامناً للأمن العالمي بصفة عامة ولذلك تُبذل جهود كثيفة لتفادي الآثار السلبية للمشكلة ولمنع تدهور وانهيار المجتمعات وخوفاً من أن يصبح الأساس لها كما هو الحال في عالم الحيوان - الصراع علي البقاء والتنافس علي موارد الماء والغذاء والحيِّز الصالح للمعيشة. لا تقل أهمية مشكلة التكدس في مصر عن مشكلة زيادة الأعداد، فهناك تكدس رهيب في الوادي الذي يشكل ما يقرب من 6% من مساحة مصر الكلية التي تقدر بحوالي مليون كيلومتر مربع وتصل فيه الكثافة السكانية إلي أعلي معدَّلاتها، بينما هي في أقل معدَّلاتها في الصحاري التي تشغل حوالي 94% من المساحة. نتج عن ذلك عدم توازن في توزيع السكان وهو ما له آثار سلبية عميقة تؤدي إلي عواقب اجتماعية وخيمة يطلق عليها علماء الاجتماع «عدم اتزان اجتماعي» ومؤشراته كثيرة من بينها العنف وارتفاع معدَّلات الجرائم وإدمان المخدرات ومعدَّلات الطلاق والاضطرابات النفسية وغير ذلك من ظواهر وسلوكيات توصف «بالسلوك العدائي للمجتمع» وهو ما بدأت ملامحه في الظهور ويستدعي سرعة التصدي له بمنتهي الجدية. لا يمكن إنكار الجهود التي قامت بها الدولة في النصف الثاني من السبعينيات بعد حرب أكتوبر المجيدة للخروج بالسكان من الحيِّز الضيِّق وتوسيع الرقعة الحضرية وذلك بإنشاء بعض التجمعات العمرانية والمدن الجديدة بهدف امتصاص الضغوط من المناطق المكدسة وهي جهود تحتاج بالضرورة إلي الاستمرارية. إن توزيع السكان هو أحد أهم التحديات التي تواجهنا وعلينا إعطاؤه أولوية متقدمة في خطة الدولة للتنمية خاصةً ونحن بصدد تنمية سيناء «فلنزرعها بالبشر» وهي مقولة استعيرها من عضو مجلس الشعب السابق الأخت العزيزة / سهير جلبانه لؤلؤة سيناء كما يحلو لي أن أصفها، وقد يكون ذلك من خلال المشروعات التنموية كثيفة العمالة في ممرات تنمية عرضية تربط سيناء بالوادي وعدم الاكتفاء بالممرات الرأسية حول منطقة القناة لنجعل من سيناء مركزاً لإشعاع حضاري يعزِّزه موقعها الجغرافي المتفرد بين ثلاث قارات. أما التحدي الخاص ببعد التزايد السكاني فلا يجب أن يقتصر التصدي له علي التركيز علي برامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وهو ما يبدو أن الدولة تتجه نحو ذلك بدليل إدماج وزارة السكان في وزارة الصحة وهو دون شك جهد مطلوب وفي غاية الأهمية إلا أنه ليس الوحيد .. أن التصدي الجاد للمشكلات الناتجة عن التزايد السكاني تستدعي تضافر جهود أكثر من جهة بحسب خطة رشيدة تتصدي لكل الأبعاد بنفس القوة والاهتمام وتواجه كل التحديات في حزمة متكاملة من البرامج وليس بالتركيز علي بعد بمعزل عن الأبعاد الأخري فنحن في أشد الحاجة إلي خطة سكانية شاملة توضح دور كل القطاعات ذات الصلة من صحة وتعليم وإعلام وقوة عاملة وإسكان وتعمير وخدمات اجتماعية وسياسات مالية 000 الخ فهل إدماج وزارة السكان في وزارة الصحة سوف يحقق هذا الهدف ؟ أم قد يكون من الأجدي إدماجها في وزارة التخطيط حتي ينال كل بعد من أبعادها نصيبه الوافي من التخطيط والتنسيق الدقيق مما يمكِّن كل قطاع من القطاعات التنفيذية ذات الصلة من القيام بدوره في منظومة متكاملة في سبيل تحقيق سلامة وأمن وأمان المجتمع المصري.