بلا موعد دعاني لزيارته في منزله ولم أكن أدري أنها المرة الأخيرة التي التقيه أو أراه، حدثني في أشياء كثيرة وناقشته في أمور الحياة وحال الجريدة والأبناء ثم قبل أن أنصرف أهداني الجزء الثاني من أعماله المجمعة، وكتب عليها الأهداء وتركته وأنا في قمة السعادة، فما أحلي أن يلتقي التلميذ بأستاذه الذي علمه ورعاه علي مدي 40 عاما كاملة كنت فيها أتعلم منه أمور الحياة وأصولها. جمال الغيطاني أستاذي الذي فقدته بالأمس قامة وقيمة كبري ليس لدي فقط ولكن لدي كل من عرفه واقترب منه فهذا الإنسان الوطني الحر الأصيل الوفي الشامخ كان مصر بكل كبريائها وعظمتها وريادتها فيه سمارها وفيه عطاء نيلها وفيه وفاؤها لكل ما هو جميل. عرفته علي مدي 40 عاما كاملة منذ دخلت أخبار اليوم أستاذا لا يبخل عليّ بدروسه معلما يمتلك أدوات التوجيه ناصحا دون تعال صديقا يشعرك بقيمتك مع أني كنت لا أزال في بداية حياتي الصحفية التي اخترتها عن طيب خاطر بعد تخرجي في كلية الحقوق. علمني أستاذي فنون الكتابة وأصولها دون بخل ولقنني ما يجب أن أكون عليه حتي أحقق النجاح الذي انشده. لم اجده يوما طالبا لمنصب أو ساعيا لجاه البساطة مبدأه والتواضع سمته التي عاش ومات عليها. لم يكن يتحرج ان يقوم بخدمة فقير بل كانت سعادته، ولم يتأخر عن نصرة مظلوم يدافع عنه بما اكتسبه في ميادين القتال التي حضر معاركها الطاحنة في حروبنا مع إسرائيل. ذلك الأديب الذي كان رمزا للأدب ما اروعه عندما تجلس إليه وما اجمله عندما تستمع لحديثه وما أحلاها بسمة كانت تصدر من شفتيه لاتحمل حقدا ولا غلا لأحد، صفاء مع النفس نادر الوجود قلما تجده إلا في شخصية كجمال الغيطاني. كانت أسعد لحظات حياتي عندما نلتقي أنا وهو والشاعر الراحل الكبير عبدالرحمن الأبنودي في الإسماعيلية ورغم قلة المقابلات إلا أنها كانت أحلي لحظات الحياة متعة فما أحلي لقاء الاصدقاء الأوفياء وكانت المكالمات اليومية بيننا لا تنقطع حتي فاجأنا الخال الأبنودي برحيله ومرضه الذي ابكانا أنا والغيطاني بكاء شديدا، وكم وقف استاذي جمال في عزاء الخال وهو لا يصدق إنه رحل وكانت صدمة كبري له ولي. مفارقة غريبة ان يغيب الله الخال الأبنودي بعد نزيف المخ وبعد 6 شهور يغيب الغيطاني بعد أن اصيب بأزمة قلبية أدت أيضا لتوقف المخ مصدر الإبداع في الشاعر والأديب. ولا أدري ما كان سر تشاؤمي في الاحتفالية بعيد ميلادك السبعين فقد حضرت فيها احتفالية الأبنودي بعيد ميلاده ال 76 ويومها قال لي بالحرف ورحمة أمك دي آخر سنة وبالفعل مات بعد 10 أيام فقط من عيد ميلاده ال 77. هل كنت تعلم يا أستاذي الراحل أنك ذاهب في رحلتك الأخيرة وأن تقول لي في آخر لقاء كلنا ذاهبون.