مساء الأربعاء الماضي أمضيت أوقاتا ممتعة بقاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا حيث احتفل الفنان التشكيلي الكبير حسين نوح بافتتاح معرضه الجديد »مصر.. شدي حيلك يا بلد«. الذي يضم خمس وثلاثين لوحة رائعة تأتي معبرة بصدق عن أحوال مجتمع يعيش الآن في مفترق الطرق بعد ثورة مجيدة انطلقت في 25 يناير عام 2011 وغيرت من وجه الحياة في مصر بعد سقوط حكم الفرعون وحاشيته. ولأن الفنان هو ضمير أمته من خلال كل مفردات العمل الفني المسموع والمرئي والمقروء حيث يحشد كل اسلحته ليصل بها إلي عقول وقلوب الناس بكل الطرق والأساليب المتاحة ومن بينها فرشاة وألوان المبدعين من فنانينا التشكيليين الذين يلاحقون الأحداث برؤيتهم الخاصة وفقا للغة الكتلة والمكان والزمان والظل واللون والأحاسيس والمشاعر التي تنبض بمعاني الحياة بكل ما فيها من انتصارات وانكسارات وشروق وغروب وهدوء وصخب وميلاد ورحيل وصمت ودهشة ولغز حائر وسؤال حاسم كموج البحر يدعوك للتأمل والتفكير فيمن حولك من هذا الكون الفسيح بكل قوانينه المعقدة ونواميسه المتشابكة التي تفرز لك في نهاية الأمر صورة عن قرب تغوض داخل عقلك وفكرك وقلبك ووجدانك. تلك باختصار شديد كل المعاني التي عبر عنها وجسدها حسين نوح في لوحاته التي استوحي افكارها من فوق أرض الواقع قبل اندلاع ثورة يناير وأثناءها ثم ما تالها من أحداث اختلطت فيها الفرحة مع الخوف والصخب مع التوتر والحزن مع الشجن والنور مع الضباب والحلم مع الواقع والتفاؤل مع الحذر فالجميع يذوب عشقا في محبوبته مصر التي تشهد حاليا مخاضا جديدا يتطلب ان نتكاتف جميعا ونردد بصوت واحد: »شدي حيلك يا بلد« فالقادم أحلي والغد يحمل بشائر الأمل في صحوة كبري تعيد للمصريين حضارة الأجداد والاباء في بناء أمة مدنية قوية وشامخة. ويذكرني صديقي حسين نوح في استخدامه عبارة »مصر.. شدي حيلك يا بلد« كعنوان لمعرضه الثوري الحالم بفترة خصبة ومهمة في حياتي الصحفية عشتها مع صديق العمر الفنان ابن البلد محمد نوح الشقيق الأكبر لحسين نوح عندما التقيت به بعد نكسة 1967 المؤلمة وعشت معه وقائع عرضه المسرحي الرائع »مدد مدد شدي حيلك يا بلد« الذي طاف به الجبهة وراح يغني فوق الدبابات ووسط الجنود في الميدان مؤكدا ان مصر لن تموت ولن تركع ولن تنهار ولن تستسلم فهي قد تمرض وتهتز وتصيبها وعكة طارئة ولكن سرعان ما تنهض وتنفض عن نفسها الغبار وتمسح آلامها وهي تردد: »أن كان في أرضك مات شهيد في ألف غيره بيتولد مدد مدد مدد شدي حيلك يا بلد«. هكذا فعل نوح الكبير منذ أكثر من 45 عاما وهو لا يغيب عنه هموم وطنه الجريح الذي استرد وعيه المفقود وجاءته الصحوة الكبري بانتصارنا العظيم في أكتوبر عام 1973 حيث انقشع الظلام وعاد النهار يغني لفجر يوم جديد ويرسم ملامح مستقبل يكون فيه الإنسان المصري زهرة كل المدائن علي وجه الأرض. أن قصة الشقيقان نوح تصلح لأن تكون ملحمة درامية شيقة ومثيرة في حب مصر فهما أبناء الأرض الطيبة التي تمتد جذورها إلي محافظة البحيرة التي تمثل قطعة غالية من ترابنا الوطني وانجبت الكثير من المفكرين والعلماء والسياسيين والفنانين والأدباء الذين اثروا بعطائهم العلمي والثقافي تاريخنا القومي بانتاجهم الغزير في شتي المجالات وكان من بينهم من أفني عمره في حمل مشاعل التنوير لأمته عبر التاريخ وحتي يومنا هذا وتضيق المساحة هنا بالحديث عن هؤلاء المبدعين. انني اهنيء الفنان التشكيلي المبدع حسين نوح علي هذا الجهد الكبير الذي بذله في معرضه الرائع »مصر.. شدي حيلك يا بلد« فهو كما قال عنه المفكر القدير والسياسي المحنك د.مصطفي الفقي فنان موهوب يعانق الطبيعة احيانا ويلتصق بالانسان دائما واذا جاز لي أن أضيف إلي ما سبق من العبارات الرقيقة لاستاذنا مصطفي الفقي فأقول إن حسين نوح يعزف بخطوطه وألوانه علي اوتار قلب أمته لحن به سحر الشرق في عزوبته وصفاء الفكر في رؤيته وزهد الصوفي داخل محرابه وهو يدعو لأهله وناسه ليل نهار أن تظل بلادنا مستقرة امنة حتي يرث الله الارض ومن عليها ومدد مدد شدي حيلك يابلد .