كما نريد أيضا احترام القانون واحترام الذات فيما بين المرشحين، سواء أكانوا أفراداً أم أحزاباً، وأن نرقي إلي مستوي المنافسة الشريفة لا بديل ولا منجاة لوطن إلا بتطبيق القانون علي الجميع ودون أي استثناءات، وقد ضرب نبينا محمد (صلي الله عليه وسلم) أروع المثل في تحقيق العدالة وتطبيقها، فعندما سرقت امرأة من بني مخزوم ذهبوا إلي أسامة بن زيد ليشفع لها عند رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لما كان أسامة يحظي به من مكانة عند رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، فلما تحدث أسامة في الأمر واجهه النبي (صلي الله عليه وسلم) بقوله : « أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ « ثُمَّ قَامَ (صلي الله عليه وسلم) خَطِيبًا، فَقَالَ : « إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا، إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا «، وعندما تولي سيدنا أبو بكر (رضي الله عنه ) الخلافة قام في الناس خطيباً : أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن وجدتموني علي خير فأعينوني، وإن وجدتموني علي شر فقوموني، القوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له، وهو نفس المضمون الذي أكده سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما تولي الخلافة أيضا. وإذا كان القانون ينص علي سقف إنفاق لا ينبغي تجاوزه في الدعاية الانتخابية فيجب مراقبة ذلك بدقة وحسم وحزم وإنفاذ القانون علي الجميع، مع مراقبة أي تمويل يمكن أن يكون خارج إطار القانون أو حدود المألوف، مع مراقبة ما قد يطرأ علي بعض الأشخاص من إنفاق لا يمكن أن يتناسب مع مستوي دخولهم. أما الأمر الأهم فهو ضرورة التصدي وبحسم لمحاولات بعض القوي أو التيارات السياسية استخدام الشعارات الدينية أو دور العبادة أو ملحقاتها في الدعاية الانتخابية، وقد أكدنا في وزارة الأوقاف أننا لن نسمح باستخدام المساجد وملحقاتها أو ساحاتها بأي شكل من أشكال التوظيف السياسي أو الدعاية الانتخابية لأي شخص أو حزب أو قائمة، بل إننا سنتخذ الإجراءات القانونية وإبلاغ اللجنة العليا للانتخابات عن أي تجاوزات في هذا الشأن عبر ممثل الوزارة بلجنة متابعة الإعلام والدعاية المشكلة بمعرفتها، غير أن هذا الأمر لن يؤتي أكله، إلا إذا تم تفعيل قرارات اللجنة العليا للانتخابات واللوائح المنظمة بشطب المتجاوزين. ومن تكافؤ الفرص أيضا ضرورة توفير المناخ الملائم ليدلي الناخب بصوته في أمن وأمان دون إجبار أو إكراه أو تهديد أو خوف أو وجل أو توجس أو تردد أو شراء للأصوات أو احتيال علي هذا الشراء، بأن يُمكَّن الناخب من إعطاء صوته لمن يخدم هذا الوطن ويُقدّر الظروف التي يمر بها والتحديات التي يواجهها، كما يجب أيضا أن يميز الناخب بين من يحترم القانون ومن يضرب به عرض الحائط، وأن يدرك أن من يخرق القانون ولا يحترمه اليوم لا ينتظر منه احترام القانون أو تطبيقه غداً ، حيث تقتضي المصلحة الوطنية تطبيقه، إذ كيف نأتمن علي تطبيق القانون من يعمل علي انتهاكه لصالحه أو صالح حزبه أو صالح جماعته، مع التأكيد علي شطب أي مرشح أو تيار يثبت يقينا إكراهه للناس علي التصويت لصالحه أو شراؤه لأصواتهم أو منعهم من الإدلاء بها. كما نريد أيضا احترام القانون واحترام الذات فيما بين المرشحين، سواء أكانوا أفراداً أم أحزاباً، وأن نرقي إلي مستوي المنافسة الشريفة التي يحترم فيها المتنافسون بعضهم بعضا، بعيداً عن كل ألوان السب أو القذف أو التعرض لأسرة المرشح أو التشهير به أو الاعتداء عليه، أو إتلاف دعايته، وأن يركز كل مرشح علي مشروعه لخدمة الوطن ورؤيته للنهوض به، فبدل أن يكون التركيز علي هدم الآخرين يجب أن تكون البرامج إيجابية قائمة علي البنيان لا الهدم، لأن من يهدم لا يصلح أن يكون بانيا ولا يرقي إلي ذلك، أما من يشغل نفسه بالبناء فلن يفكر أبدا في الهدم، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وعندما نتحدث عن القانون نؤكد علي ضرورة أن يكون تطبيقه شاملا وعاما وليس انتقائيا، متضمنا المساواة التامة بين المواطنين جميعا حتي في النظر إليهم في ساحة القضاء، وهو ما بينه سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في رسالته الرائعة التي سطرها وأرسلها إلي أبي موسي الأشعري في ذلك، حيث يقول: « سَلامٌ عَلَيكَ، أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لاَ نَفَادَ لَهُ، آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك ؛ حتي لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك، ولاَ يَمْنَعَكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ اليوم فراجعت نفسك فيه، وهُديتَ فيه لرشدك، أن ترجع إلي الحق ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي في الْبَاطِلِ. فقد طلب الخليفة العادل من واليه أبي موسي الأشعري المساواة بين الخصوم حتي في النظرة والمجلس، سواء في وضع الجلسة أم في مناداة الخصوم، فلا ينادي واحداً باسمه والآخر بلقبه وكنيته، حتي لا يشعر أحد الخصوم بالتمييز ولو في الشكل والإجراءات، فما بالكم بالمضمون والحكم ؟ علي أنني أؤكد علي أمرين مهمين : أولهما: الإيجابية، وأن يشعر الإنسان أن صوته مؤثر، وأنه واجب وطني، وأن عليه أن يسهم في اختيار من يراعي مصلحة هذا الوطن، وأن نُري العالم كله مظهرنا الحضاريّ الحقيقي الذي أذهل العالم كله في ثورتين عظيمتين. الأمر الآخر: هو أن يشعر الإنسان أن صوته أمانة، وأن واجبه أن يذهب في الاتجاه الصحيح، في اتجاه من يخدم الوطن، وألا يخدع بأي شعارات زائفة أو فضفاضة، وأن يعمل بحاسته الوطنية علي اختيار من لديه القدرة والرغبة علي العبور بالوطن إلي بر الأمان، بعيداً عن كل التيارات والشعارات الإقصائية، أو الانعزالية، أو المذهبية، أو الطائفية، أو الاستعلائية، وكفانا ما أصابنا من نزعات وجماعات الإقصاء والاستعلاء.