الواقعة غير المسبوقة محليا ودوليا أنشأت نظرية قانونية جديدة المصلحة العليا للوطن تحتم علينا اعتماد الأمر الواقع ونبذ الخلاف في ظل الجدل الدائر انتظارا لحكم المحكمة الدستورية العليا حول شرعية البرلمان الحالي من عدمه.. ثار سؤال مهم حول وضع المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية الذين تم قبول ترشيحهم بناء علي ترشيح أحزاب ممثلة في البرلمان، أو تزكية ثلاثين عضوا من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشوري الذي سيكون وجودهم باطلا بناء علي حكم المحكمة الافتراضي. في البداية يقول مجدي شرف المحامي أمام محكمتي النقض والدستورية العليا: إذا قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المواد المطعون عليها في قانون مجلس الشعب فيكون حل المجلسين بأكملهما مؤكدا لأن انتخابهما تم مجافيا للمباديء الدستورية العامة ويستتبع ذلك بطلان تصرفات نواب المجلسين التي وقعت منهم خلال عضويتهم ، ويكون علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوصفه القائم بإدارة حكم البلاد الدعوة إلي انتخابات جديدة لتشكيل برلمان بديل ، ومؤدي ذلك كله أن تصرفات الأعضاء التي تمت خلال مدة عضويتهم الملغاة لايؤخذ بها لأنهم لم يكونوا وقتها ممثلين حقيقيين للشعب. البرلمان ونوابه منفصلان ويختلف مع هذا الرأي المستشار عبد الجليل عبد الدايم النائب الأول لرئيس هيئة قضايا الحكومة ورئيس إدارة القضايا الدستورية السابق حيث يري أن التصرفات التي وقعت من نواب مجلسي الشعب والشوري إذا ماتم حلهما بحكم وقعت صحيحة ولايؤثر في صحتها أية أحكام تصدر بشرعية المجلس أو عدمها ولايلحقها بطلان في أي مرحلة من المراحل السابقة علي الحكم الذي تصدره المحكمة الدستورية، وبذلك تظل تزكية النواب أو ترشيحات الأحزاب لمنصب رئيس الجمهورية قائمة لايلحقها البطلان لأن البرلمان منفصل عن أعضائه وأعمالهم لاتتأثر بما يلحقه من أحكام خاصة بعد إقرارها واكتساب مراكز قانونية كأثر لها. ويقول د.رأفت فودة رئيس قسم القانون الدستوري بكلية حقوق القاهرة : إذا تم الحكم بعدم دستورية مواد قانون مجلس الشعب المطعون فيها فيصبح المجلس باطلا ، ولكن لاتبطل أفعاله وتصرفاته القانونية وتظل القوانين التي أقرها نافذة تطبق بحكم الضرورة. أما يالنسبة لمرشحي رئاسة الجمهورية فطالما تم حل البرلمان فإن صفة العضوية تسحب من أعضائه وبالتالي تسحب تزكيتهم لأي مرشح للرئاسة ولايكون لها أثر، وهو نفس مايحدث مع ترشيحات الأحزاب، ويصبح المرشح بأي من هذين الطريقين غير متوافر فيه شرط من شروط الترشيح التي يجب استمرارها حتي تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب وإلا استبعد من قائمة المرشحين. وإذا صدر حكم الدستورية مؤديا لحل المجلس بعد إعلان فوز أحد المرشحين الذين لم يستند في ترشيحه علي 30 ألف صوت علي الأقل من المواطنين فوجهات النظر القانونية متباينة، أولها يري أن الانتخاب جاء علي أساس ترشيحه من مجلس غير دستوري والقاعدة أن مابني علي باطل فهو باطل وبذلك يكون اعتلاء رئيس الجمهورية لمنصبه غير صحيح موجبا لإعادة عمليتي الترشيح والانتخاب من جديد. وهناك رأي آخر يري أن الشروط ظلت متوافرة في المرشح حتي إعلان النتيجة بفوزه فيكون تبوأه منصب رئيس الجمهورية مستندا إلي شرعية شعبية جاءت من انتخاب المواطنين له لشخصه بصرف النظر عن أجراءات ترشيحه التي تخطتها الأوضاع الفعلية القائمة، وهذه هي الديموقراطية التي يجب أن نقبل بها. الترشيح صحيح ويوضح الدكتور عصام سليم أستاذ القانون بجامعة الاسكندرية انه طبقا لنظرية الموظف الفعلي المعتمدة في القانون الإداري والتي تقضي بأنه إذا صدر حكم ببطلان تعيين موظف عام فهذا البطلان لاينال من صحة الاجراءات والقرارات التي اتخذها هذا الموظف خلال مباشرته وظيفته بصورة فعلية وتبقي قائمة ومنتجة لآثارها. وما ينطبق علي الموظف الفعلي ينطبق علي أي مجلس إدارة أو مجلس نيابي ، وتطبيقا لذلك فالقوانين والقرارات التي اتخذها البرلمان لو تم حله - تظل صحيحة وقائمة، وهذا هو المستقر في قضاء المحكمتين الدستورية العليا والإدارية العليا. بما يعني أن تزكية ثلاثين نائبا علي الأقل، أو ترشيح أحد الأحزاب الممثلة في البرلمان لمرشح علي مقعد الرئاسة يظل سليما وصحيحا منتجا لآثاره حتي ولو تم حل المجلس تنفيذا لحكم من المحكمة الدستورية العليا. وبالتالي لايمكن الطعن بالبطلان علي انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، أو حتي التشكيك في مشروعيتها بأن الترشيح أو التزكية جاءت من مجلس تم حله. أما البرلماني ورجل القانون ممدوح قناوي رئيس الحزب الدستوري الاجتماعي الحر فيؤكد أن البرلمان سيتم حله وبذلك سيكون ترشيح من لم يحصل علي تأييد 30 ألف من مواطني المحافظات باطلا في رأي بعض رجال القانون كأثر من آثار هذا الحل. ولكن يري آخرون أن ما صدر من تصرفات عن البرلمان المنحل يكون صحيحا، خاصة إذا ما أكسبت للغير مراكز قانونية استقرت لايجب المساس بها. ومن وجهة نظر المستشار سعد السعدني الرئيس بمحكمة استئناف الاسكندرية أن القضاء بعدم شرعية المواد المطعون فيها يقتضي حل المجلس وينسحب بطلانه بأثر رجعي علي ماقام به أعضاؤه من تصرفات باعتبارهم كانوا لايمثلون الشعب لأن هذا القضاء هو حكم كاشف عن حقيقة واقعة، وبالتالي فإن أثره ينسحب علي المرشحين لرئاسة الجمهورية ويصبح ترشيحهم باطلا ، وكذلك لو كان قد تم إعلان انتخاب رئيس من بين المرشحين المزكين من النواب أو الذين رشحتهم الأحزاب فيكون وصوله إلي سدة الرئاسة باطلا كذلك. وأخيرا يكشف عضو لجنة تعديل الدستور الدكتور محمد باهي يونس رئيس قسم القانون العام بكلية حقوق الاسكندرية عن أن حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 37 / 9 ق الصادر في 19 مايو 1990 نص صراحة علي أن القضاء بعدم دستورية النص التشريعي الذي أجريت انتخابات مجلس الشعب بناء عليه مؤداه ولازمه بطلان تكوين المجلس منذ انتخابه ودون أن يستتبع ذلك إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة وحتي تاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية بل تظل علي حالها من الصحة ونافذة مالم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها أو يقضي بعدم دستورية نصوصها التشريعية، وفي رأيه أن ذلك استثناء من قاعدة كل مابني علي باطل فهو باطل وذلك علي أساس أن التعامل مع هذه القوانين والقرارات والاجراءات تم بحسن نية، والقوانين جاءت لتحل إشكالات لا لتصنع هي إشكالات تعقد الأمور، لذلك فهو اعتمد نظرية جديدة يعلنها في هذا التحقيق باسم "النائب الفعلي" - أسوة بنظرية الموظف الفعلي المعمول بها والمستقرة في القانون الاداري.