وكما أن ما يسمي بالدعم اللوجيستي أمر في غاية الأهمية في تحقيق النصر علي الأعداء وحسم العديد من المعارك، فإن قطع هذا الدعم عن الإرهاب والإرهابيين، والتطرف والمتطرفين، يُعجّل بنهايتهم مما لا شك فيه أن الإرهاب ما كان ليتسلل إلي أي بيئة أو وطن أو منطقة ما لم يتوافر له عنصران : عنصر يدفعه ويدعمه ويموله، وآخر يحتضنه ويؤويه. أما العنصر الأول الذي يدفع الإرهاب ويموله ويدعمه ويغذيه فهو بلا أدني شك أعداء ديننا ووطننا وأمتنا، ممن يريدون أن تعم الفوضي الهدامة منطقتنا وأمتنا لصالح الكيان الصهيوني من جهة، لأجل أن يتمكنوا من السيطرة علي خيراتنا ومقدراتنا، ويشوهوا الوجه الحضاري لديننا السمح من جهة أخري، وهذا شأنهم وطبيعتهم الإمبريالية، ومع أننا أكدنا وسنظل نؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا عهد له ولا وفاء له وأنه سيأكل من يصنعه ومن يدعمه إن اليوم وإن غداً، وإن غداً لناظره قريب، فإننا لا يمكن أن نستجدي الأمن ممن يريد لنا الفوضي، ولكن علينا أن نعتمد علي أنفسنا وعلي سواعدنا، علي حد قول الشاعر : وهذا الاستعداد لا يكون كلاما فحسب، ولا مجرد شجب وإدانة واستنكار، وبيانات وتصريحات، يمكن أن تصدر حتي عن جهات تستر بها ما كان خافياً أو ما تحاول أن تخفيه من أمرها، ظناً منها أن هذه البيانات يمكن أن تغطي ما لو كشف لكان أمراً جللا، ناسية أو متناسية أو متجاهلة أن الشعب المصري قد شب عن الطوق وصار أكبر من أن يُخدَع، وإن اقتضت الظروف التي تمر بها البلاد وتمر بها المنطقة جانباً من الحكمة وضبط النفس واختيار التوقيتات المناسبة للفعل أو رد الفعل، فمن قبيل قول أبي فراس الحمداني : والذي لا شك فيه - أيضاً - أن هذا الإرهاب الأسود بتلك العناصر الخطرة والأخلاط والأمشاج التي أتت وتجمعت من كل حدب وصوب ما كان لهم أن يخترقوا صفوف أي وطن ما لم تكن لهم فيه حواضن تؤويهم وتمدهم بما يحتاجون من المال أو السلاح وسائر ألوان الدعم، وتوفر لهم البيئة المواتية وتمدهم بالمعلومات الكافية، في عالم صارت فيه الحروب التقنية، والإلكترونية، والمعلوماتية، والإعلامية، والنفسية، أساليب ووسائل وأدوات لا يُستهان بها لإخضاع الخصم، وإضعاف معنوياته، ودفعه إلي الإحباط أو التسليم. وكما أن ما يسمي بالدعم اللوجيستي أمر في غاية الأهمية في تحقيق النصر علي الأعداء وحسم العديد من المعارك، فإن قطع هذا الدعم عن الإرهاب والإرهابيين، والتطرف والمتطرفين، يُعجّل بنهايتهم والقضاء عليهم وتخليص العالم كله والإنسانية جمعاء من شرهم المستطير. وهذا يتطلب دراسات علمية واعية مستفيضة لمعرفة المستفيدين من الفوضي ومن العمليات الإرهابية، سواء أكانوا موجهين، أم محرضين، أم منفذين، أم مأجورين، والعمل علي مواجهتهم بحسم لا هوادة فيه، بالتحفظ بل مصادرة أموال كل من يثبت دعمه أو تمويله للإرهاب، لأن هذا المال القذر الذي يوجه لتمويل القتل والتخريب ينبغي أن يصادر لصالح البناء والتعمير، ورب العزة (عز وجل) يقول : « وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا « (النساء: 5)، وقد أفرد الفقهاء باباً للتعامل مع أموال السفهاء سموه « باب الحجر « الذي يعني الحجز والتحفظ، وقسموه قسمين: « الحجر لحق الغير « أي لصالح الدائنين، و» الحجر لحق المال «، وهو الحجر علي السفيه والمبذر الذي لا يحسن التصرف في أمواله ويبذرها سفهاً فيما لا ينبغي الإنفاق فيه، فما بالكم بمن يستخدمها في القتل والتخريب والفساد والإفساد؟؟ وهناك منظرون لهذا الإرهاب، يحرض بعضهم عليه صراحة دون مواربة، ويبث بعضهم سمومهم بين الحين والحين، ولو في ثنايا كلام معسول، « وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» ( آل عمران : 119 ). علي أننا في وضع لا يحتمل هؤلاء المنافقين والمتلونين، « الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا « ( النساء: 141). ولا شك أن ترك بعض من يدعمون الإرهاب والإرهابيين طلقاء أو غض أي جهة الطرف عنهم أمر في غاية الخطورة، وأخطر منه تمكين أي منهم من أي مفصل من مفاصل الدولة، وبخاصة الجوانب الخدمية التي تمس حياة المواطنين مباشرة، لأنهم يدركون أن تعطيل هذه الخدمات هو سبيل لإثارة الغضب والتذمر والسخط وربما الفوضي، فيجب ألا تُسْنَد إدارة المرافق والأعمال الخدمية إلا لمن يُتَيقّن من ولائه لوطنه وتفانيه في خدمته، وحرصه عليه، وإيمانه بقضاء حوائج الناس والسهر علي راحتهم، ويقينه بأن هذا هو صلب الدين والإيمان، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : « إِنَّ للهِ عِبَادًََا اخْتَصَّهُمْ بِقَضاءِ حَوَائِجِ النَّاس حَبَّبهُمْ فِي الْخَيْرِ وحَبَّبَ الْخَيْرَ إلَيْهِمْ إِنَّهُمُ الآْمِنُونَ مِنْ عَذَابِ اْللهِ (عز وجل) يَوْمَ القِيَامَةِ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» (رواه مسلم). وكما ينبغي ألا نمكن داعمي التطرف والموالين لهم من المرافق الخدمية، فمن باب أولي ألا نمكن أحداً منهم من الجوانب الثقافية أو الفكرية أو التربوية، حتي لا يبثوا سمومهم وأفكارهم الإرهابية في المجتمع وبخاصة بين الناشئة والشباب، إنما يجب أن نعمل وبسرعة وحسم علي تخليص المجتمع من سمومهم، وشرورهم، وآثامهم، وجرائمهم الفكرية والأخلاقية والمجتمعية، « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَي أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ « (يوسف: 21).