د. أحمد عمر هاشم لا أمان في الأرض إلا بتحقيق الإيمان وإقامة العدل، وقد قال الله تعالي: »الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون«. ومن أجل إقامة العدل أمر الإسلام بالوقوف في وجه الظلم والظالمين، وان تنهض الأمة لنصرة المظلومين، ودفع الظلم عن المستضعفين وعن الناس أجمعين، وقد أمر الرسول »صلي الله عليه وسلم« بالعدل والانتصار للمظلوم حين قال »انصر أخاك ظالما أو مظلوما« وعندما قيل له: ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال عليه الصلاة والسلام: »ان تأخذ علي يد الظالم فإن في ذلك نصره« رواه البخاري. وأكد الإسلام علي قيمة العدل والبعد عن الظلم، وقرر عودة الحق للمظلوم والذي لا يعيد للمظلوم حقه لا يقبل الله توبته فمن شروط قبول التوبة: رد المظالم إلي أصحابها، فإن حق المظلوم يظل معلقا برقبة الظالم حتي يرد له حقه أو يعفو المظلوم عنه، فإن لم يسترد المظلوم حقه من الظالم ولم يمكن الظالم المظلوم من حقه في الدنيا فإنه يأخذه منه يوم القيامة حيث تكون الحقوق بالحسنات والسيئات ويصبح الظالم يومئذ مفلسا لانه يدفع للمظلوم حقه من حسناته، ويتحمل من سيئات المظلوم عندما تفني حسناته دون الوفاء بالحق، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتطرح علي الظالم ثم يطرح في النار. ومن الأمور التي تمنع من اقامة العدل أن تكون هناك كراهية فيؤكد القرآن علي العدل وعلي تطبيقه في المعاملات حتي مع من يكرهه الإنسان أو يعاديه فقد قال الله تعالي: »ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي« سورة المائدة »8«. ومن الأمور الصارفة عن تحقيق العدل ان تكون بين الإنسان وبين من يريد تنفيذ حكم عليه صلة قرابة أو صداقة أو نحو ذلك أو بأن يكون ذا وجاهة أو شرف في المجتمع فنري تأكيد الرسول »صلي الله عليه وسلم« علي تحقيق العدل عندما تشفع أسامة بن زيد في المرأة المخزومية التي سرقت وارادوا ان يقيموا الحد عليها فقال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »اتشفع في حد من حدود الله إنما أهلك من كان قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والذي نفس محمد بيده لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها«. رواه مسلم. ويعلن رب العزة سبحانه وتعالي عباده بأنه حرم الظلم علي نفسه »ولا يظلم ربك أحدا« وجعله محرما علي العباد، فقال في الحديث القدسي: »يا عبادي اني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا« ويعلن الرسول »صلي الله عليه وسلم« اقامة الحق والعدل ومساواة الناس في ذلك وانه لا خصوصية لأحد الا بالتقوي »ان اكرمكم عند الله اتقاكم« ويؤكد أبوبكر الصديق »رضي الله عنه« علي وجوب اخذ الحق من القوي للضعيف وان صاحب الحق إنما هو القوي عنده فيقول: »الضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه« ويأتي من بعده عمر بن الخطاب »رضي الله عنه« ليعلن لأهله انهم أول من يجوعون وآخر من يشبعون. ويحقق العدالة التي شهد بها صاحب كسري له قائلا كلمته المشهورة »حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر«. فبالعدالة مع الإيمان، يتحقق في الحياة الامان، فإذا ضاع الايمان فلا امان. إذا الايمان ضاع فلا أمان. ولا دنيا لمن لم يحيي دينا. وإذا ضاعت العدالة ضاع الامان والظلم ظلمات يوم القيامة كما لحال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة«. ولقد دعت مساحات العدالة ان الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة مخافة وقوع الظلم. وللمظلوم دعوته التي لا ترد، بل هي مستجابة كما قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم« في الحديث الذي رواه أبوداود الطيالسي بالسند عن ابي هريرة »رضي الله عنه« ان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« قال: »دعوة المظلوم مستجابة وان كان فاجرا ففجوره علي نفسه« فلا يقدح فجوره في استجابة دعائه، لانه مضطر وقد ضمن الله اجابة المضطر بقوله تعالي: »أمن يجيب المضطر إذا دعاه«. قال بعض أئمة الحديث الشريف ويحتمل ان يريد بالفاجر الكافر، ويحتمل ان يريد الفاسق. وقالوا: »ينبغي ان يعتقد ان دعوة المظلوم مستجابة ولا ينافيه عدم ظهور اثرها حالا، لأنه تعالي ضمن الاجابة لدعائه في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وله في ذلك حكم فتخلفها عن الحصول عقب الدعاء انما هو بسبب فاحذر ان تقول: »قد دعا فلان علي فلان الظالم فلم يستجب له« وقال القائل الحكيم. اتهزأ بالدعاء وتزدريه. وما يدريك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء وفيما اخرجه الطبراني عن ابن عباس »رضي الله عنهما« ان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« قال: »دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب دعوة المظلوم، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب«. وفيما اخرجه البخاري في صحيحه من دعاء سعد بن أبي وقاص علي ظالمه ان الله تعالي استجاب دعاء سعد رضي الله عنه حين دعا وقال: »اللهم ان كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن« قال عبدالملك الذي روي عنه جاء هذا الحديث: »وأنا رأيته بعد وقد سقط حاجباه علي عينيه من الكبر، وانه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن«. وكان هذا الرجل الظالم إذا سئل عما يفعل يقول: »شيخ كبير مفتون اصابتني دعوة سعد«. وقد نهي الرسول »صلي الله عليه وسلم« عن الظلم. عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« قال: »المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه...« رواه البخاري ومسلم. وبين »صلي الله عليه وسلم« ان أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: »إمام عادل«.