كنت أتمني أن يشاهد رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية فيلم " ولاد رزق " قبل أن يصرح للصحف أنه لا يتضمن ألفاظا خادشة للحياء.. فهل لم يهتم بمشاهدته أم أن قاموس الرقيب العام لا يعد تلك الألفاظ المبتذلة والإيحاءات والإفيهات الجنسية الرخيصة المباشرة وغير المباشرة التي تعمد المؤلف زجها بالحوار عبارات ولا أستطيع حتي كتابتها للقارئ حفاظا علي مشاعره واحتراما له ولجريدة الأخبار خادشة للحياء ؟!.. وإن كان مؤلف الفيلم ومخرجه حرصا علي "حشو " الفيلم بألفاظ ومشاهد يغازلان بها شباك التذاكر يحسبان ذلك من حرية الإبداع فمن حق المجتمع المصري أن يقتصر عرض هذا "الإبداع الحر" علي الكبار حماية لأطفالنا وهذا دور الرقابة الذي تغافل عنه رئيسها فاكتفي بعرضه تحت إشراف أسري وهو مدرك أن هذا النظام صعب تطبيقه في مصر لأسباب كثيرة أولها غياب الرقابة عن دور العرض وعدم قدرة الرقابة علي إلزام الشركة المنتجة بالإعلان عن أسباب تصنيف الفيلم لفئة الإشراف الأسري كما هو متبع في أمريكا حتي يكون للآباء أيضا حرية في منع أبنائهم من مشاهدة أو سماع ما يرونه غير ملائم. في عالم المهمشين يعيش ولاد رزق معاناة تقليدية لأربعة صبية بلا سند أو ظهر بعدما يتوفي والدهم، يفشلون في الاستمرار في العمل بورشة أبيهم ويختارون الطريق السهل لكسب المال فيحترفون البلطجة والسرقة، ولسنوات طويلة لا يطولهم القانون ولا رادع لهم إلا كلمة رضا الأخ الأكبر والذي يشترط عليهم التوبة في حال ما قرر هو ذلك فيعاهدونه، لكن بعد عملية لسرقة وكر للقمار يفقد أخوهم الأصغر إحدي عينيه فيقرر رضا الإعتزال خاصة وقد وقع تحت تأثير حب جارته التي اشترطت عليه الابتعاد عن السرقة لتتزوجه بعدما يعود لورشة أبيه وهو ما لا يعجب إخوته فيتمردون عليه ويتركونه ليعملوا مع تاجر مخدرات ليقعوا في شر أعمالهم ويعودوا مرة أخري إلي رضا لينقذهم. رغم أن القصة تبدو قديمة مكررة لكن السيناريو قدمها في إطار جديد مترابط بحبكة درامية ذكية، تنقل بسلاسة بين الكوميديا والإثارة والأكشن بحوار يليق بأبطاله القادمين من قاع المجتمع وعالمهم العشوائي القذر والذي أتاح سيلا من الألفاظ الخارجة والتلميحات والإفيهات الجنسية الخادشة للحياء بمناسبة أو بدون فكل ما يهمه هو الاقتراب من لغة البلطجية وأولاد الشوارع ليغازل شريحة من جمهور السينما أعتقد أنها الأكبر والأكثر إقبالا علي السينما المصرية الآن، ومن أجل ذلك حشر المؤلف لقطات عديدة لعلاقات ولاد رزق بفتيات الليل في ملاه ليلية وفي غرف النوم وعلي الفراش وكان هذا مناسبا جدا لحشر الأغاني الهابطة والرقص والعري ( كل هذا ورئيس الرقابة لا يري في أفلام العيد ما يخدش الحياء !).. الحقيقة رغم أنه فيلمه الأول لم يقصر المؤلف الموهوب صلاح الجهيني فحشد كل إمكاناته لكتابة فيلم جماهيري يليق بهذا الزمن وجمهور العيد.. وباحتراف أضاف طارق العريان للسيناريو فسخر لغته السينمائية المتميزة فعلا ليقدم فيلما فيه كل عوامل الجذب الجماهيري مهما كانت ويوظف ذكاءه للعب بحركات الكاميرا ليقدم مشاهد العري والجنس المستتر كما الحوار تماما، ويصول ويجول أكشن وعنف ومطاردات فعالم الجريمة والكباريهات والمخدرات يتيح له كل شئ والنتيجة فيلم تجاري سريع الايقاع جيد جدا لكنه بلا رسالة واضحة. محمد عطية مهندس الديكور كان من أفضل عناصر الفيلم ونجح في نقل عوالم الفيلم المختلفة الحارة والكباريه ووكر القمار والمخدرات وغيره إلي البلاتوه فأضفي واقعية للأحداث، وساهمت الموسيقي الرائعة لهشام نزيه في دعم العنصر التشويقي بالفيلم والتناغم مع الحالة الدرامية، وتباري الممثلون فكانوا في أفضل حالاتهم خاصة أحمد الفيشاوي المتألق بشدة وأحمد داوود صاحب الحضور القوي والأداء السلس الذي يؤكد موهبته في هذا الفيلم وينتظره مستقبل رائع وعمرو يوسف الذي يعيد الفيلم اكتشافه وكذلك كريم قاسم ومحمد ممدوح، حتي أحمد عز الأخ الأكبر لولاد رزق يعد اللص الشرير خفيف الظل أفضل أدواره إلي الآن !