د. عبد القادر حاتم فقدت مصر بوفاة د. محمد عبدالقادر حاتم واحدا من أعظم الرجال الدين خدموا الوطن بكل اخلاص وتفان دون ان ينتظر اي مقابل.. كل من هم دون الاربعين ربما لا يعرفون الكثير او لا يعرفون شيئا عن د. عبدالقادر حاتم ودوره الوطني العظيم في تأسيس الاعلام المصري ووضع استراتيجية إعلامية لثورة يوليو ورعايته للحركة الثقافية ودفعه للسياحة كأحد أهم مصادر الدخل القومي.. كان اول من انشأ وزارة للاعلام ووزارة للسياحة.. والوحيد الذي تولي ثلاث وزارات في وقت واحد «الثقافة والاعلام والسياحة».. أسس التليفزيون المصري والسوري وانشأ وكالة أنباء الشرق الأوسط ووضع خطة الخداع الاستراتيجي قبل حرب 73 التي كلف خلالها بالقيام بمهام رئيس الوزراء. رحل د. عبدالقادر حاتم الذي لقب بأبو الاعلام والاعلاميين وابو التليفزيون عن عمر يناهز 97 عاما بعد ان أرضي ربه وتمسك بدينه ويكفيه ثوابا انه كان صاحب فكرة اذاعة القرآن الكريم. عرفت د. حاتم في الستينيات حينما كنت ابدأ خطواتي الاولي في عالم الصحافة وأحببته قبل ان التقي به حيث كان صديقا لشقيقي زغلول السيد مدير مكتب «الأخبار» في لندن لسنوات طويلة ومن فرط مديح شقيقي في شخص د. حاتم أحببته وزاد حبي وتقديري له حينما تابعت انجازاته العديدة علي مدي سنوات طويلة تقلد فيها العديد من المناصب. وخلال رحلة العمر جمعتني بالدكتور حاتم جلسات وجلسات امتد فيها الحوار بيننا الي كل القضايا في مختلف المجالات.. ومن حقه علينا وقد انتقل الي جوار ربه ان يعرف شبابنا من هو عبدالقادر حاتم.. وماذا قدم لمصر؟.. لهذا رأيت ان اقدم علي حلقتين ملامح من مسيرته وانجازاته واهم المحطات في حياته جمعتها في أوراق لخصت حواراتي معه.. ولا يفوتني في هذا المجال الاشارة الي أن «الأخبار» كانت سباقة في اجراء حوار مع د. عبدالقادر حاتم العام الماضي بمناسبة الاحتفالات بذكري انتصارات اكتوبر رغم انقطاعه عن اجراء أية حوارات صحفية منذ 12 عاما وأجري هذا الحوار الزميل الشاب ماركو عادل. اتحدث اليوم عن نشأته وعلاقته بعبدالناصر والسادات اللذين أمضي معهما المرحلة الاهم في حياته وغدا أتناول دوره في انشاء وزارتي الاعلام والسياحة والتليفزيون المصري والسوري ووكالة أنباء الشرق الاوسط وغيرها من الانجازات. ولد د. عبدالقادر حاتم في أسرة بسيطة متدينة.. غرس والده في ابنائه القيم الدينية فكانت الصلاة في وقتها وآداب السلوك لا تخالف التعاليم الاسلامية. وكان المشايخ يتناوبون علي منزل والده لقراءة القرآن كل خميس (ليلة الجمعة) وطوال شهر رمضان.. وهكذا كانت البيت الذي تربي فيه أساس تربيته وسلوكه الذي سار عليه طوال حياته ولم يقبل مليما واحدا حراما طوال حياته وحينما كان رئيسا لمجلس إدارة الأهرام جاءه عبدالله عبدالباري مدير الاعلانات في ذلك الوقت وقدم له شيكا ب 70 ألف جنيه قال انها نسبته من الاعلانات كما هو مقرر قانونا باعتباره رئيسا لمجلس الإدارة لكنه رد عليه بأنه لم يشترك بأي جهد في جلب أي اعلان فكيف يحصل علي هذا المبلغ. حكايتي مع عبد الناصر حكايته مع عبدالناصر أخذت بالقطع جانبا كبيرا من حواراتنا يقول عبدالقادر حاتم: بدأت علاقتي مع الرئيس عبدالناصر منذ أن كنا تلاميذ في مدرسة العطارين الابتدائية بالاسكندرية.. وكان معنا الدكتور عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف ونائب رئيس الوزراء الأسبق.. كنا نحن الثلاثة في مدرسة واحدة. وكانت الاسكندرية في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي تموج بالمظاهرات المناوئة للانجليز والتي تنادي بالجلاء التام أو الموت الزؤام.. وكنت والرئيس عبدالناصر وعبدالعزيز كامل ضمن الحركة الوطنية للشباب نشارك في هذه المظاهرات. وسألت الدكتور حاتم: بعد فترة التلمذة كيف استمرت علاقتك بالرئيس جمال عبدالناصر؟ وعاد د. حاتم يقول: دخلنا الكلية الحربية وتخرج عبدالناصر في دفعة 1938 وأنا دفعة 1939 وحينما التحقت بكلية اركان حرب كان عبدالناصر استاذا لعلم المخابرات .. وحينما قامت الثورة كنت قائدا لمدرسة خدمة الجيش بالقاهرة ثم عينني عبدالناصر مديرا لمكتبه وكنت ضمن خمسة اختارهم عبدالناصر وزكريا محيي الدين لإنشاء جهاز أمن الدولة وخططنا لإنشاء جهاز المخابرات العامة وإنشاء قسم الصحافة بجهاز المخابرات.. وقلت للدكتور حاتم: لقد عايشت جمال عبدالناصر عن قرب فهل هناك ذكريات ترسم بها شخصيته؟ فقال: عبدالناصر لا يتقبل المديح والنفاق أو استغلال اسمه للمتاجرة به كما يرفض كل الرفض المساس بكرامته وأتذكر عندما كنت مديرا لمكتبه أن جاء وفد من الأرجنتين لمقابلته وقلت له إنهم ناصريون وكان يسمع هذا الوصف لأول مرة فسألني مندهشا يعني ايه ناصريون فقلت له ياسيادة الرئيس كل حركة تحرير تستمد قوتها من زعيم له مبادئ تلهم الشعوب فتسمي نفسها باسمه.. فقال لي عبدالناصر أرجو ألا أسمع هذه الكلمة اطلاقا.. وقصة أخري وقعت حينما تطاول عليه الرئيس الروسي خروشوف وشتمه وكان عبدالناصر في دمشق فأبلغته بالتليفون من القاهرة فطلب مني تحويل كل الإذاعات علي دمشق وشن من هناك هجوما شديدا علي خروشوف لا قبله ولا بعده دون أي حسابات بأنه رئيس دولة كبري حليفة ولنا معها مصالح.. لأن المسألة عنده مسألة كرامة مصر وهو رمز يمثل مصر. شخصية ناصر ويستطرد د. عبدالقادر حاتم: بعدما عينني عبدالناصر مديرا لمكتبه، اقترحت عليه إنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط فكان رد عبدالناصر أنه من الصعب علي مصر أن تنشئ وكالة أنباء عالمية مثل رويترز ويونايتد برس وفرانس برس لأن هذه وكالات أنباء عالمية.. وقد حاول بعض المصريين من قبل الاجتهاد في تأسيس وكالات أنباء ولكن فشلت محاولاتهم فخشي عبدالناصر أن ننشئ وكالة أنباء وتفشل فأخبرته بأنني سأنشئ الوكالة بمرتبي وكان 65 جنيها شهريا في ذلك الوقت، وقمت - بالفعل - باستئجار شقة في ميدان التحرير وأحضرت عددا من الموظفين الذين كانوا يعملون معي لترجمة الصحف الأجنبية والاستماع السياسي للاذاعات المختلفة. وكنا نقوم بإعداد نشرة ونبيعها باسم وكالة أنباء الشرق الأوسط لجميع الجهات الأجنبية الموجودة في مصر وهي كثيرة مثل السفارات.. بعد 3 أشهر من عمل الوكالة ونجاحها - وكانت باسمي - أبلغني الرئيس عبدالناصر بأن نجعلها وكالة رسمية باسم مصر وأن يكون اسمها وكالة أنباء الشرق الأوسط واعترف بها. وإذ بالبلاد العربية تطلب من مصر أن أقوم بتأسيس وكالات أنباء علي نمط وكالة أنباء الشرق الأوسط، فكان لمصر الريادة في هذا الموضوع. مصلحة الاستعلامات وبعد ذلك أنشأت مصلحة الاستعلامات سنة 1956، وبعد أن أنشأتها طلبت من جلال الحمامصي أن يكون مديرا لها كما استقدمت المرحوم سعيد سنبل والأساتذة مصطفي نجيب ومحسن محمد وعددا آخر من الصحفيين الذين قاموا بالعمل معي في الوكالة للعمل بالاستعلامات. ومن أهم الأشياء التي أنجزتها بمصلحة الاستعلامات أن أنشأت قسما خاصا لترجمة أحدث الكتب الأجنبية التي تصدر في العالم، ومكونا من 20 مترجما ومترجمة وكنت أطبع كل يوم كتابا جديدا يقوم هؤلاء المترجمون العشرون بترجمته بحيث تنتهي طباعته في الثامنة مساء وكنت أرسل لعبدالناصر نسخة منه. كما أصدرنا سلسلة كتاب اخترنا لك، وكنا نرسل نسخة منه لكل أعضاء مجلس قيادة الثورة وكان يباع في الأسواق. العدوان الثلاثي في هذه الأثناء حدث العدوان الثلاثي علي مصر، والعدوان الثلاثي وقع عندما أعلن عبدالناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس. حيث أصدر مستر إيدن رئيس الوزراء البريطاني أول بيان له، وكنت أنا المتحدث الرسمي لمصر. لقد قال إيدن في بيانه: بسبب هذا الديكتاتور الصغير سأجعل مصر تجوع فأعددت ردا علي هذا البيان وعرضته علي الرئيس عبدالناصر وقلت في الرد يبدو أن مستر إيدن لا يعرف أن مصر يوجد بها نهر من أكبر الأنهار في العالم وهو نهر النيل وأن مصر لديها الاكتفاء الغذائي الكامل. وأننا لسنا كالجزر البريطانية التي تعتمد كلية في غذائها علي المستعمرات الخاضعة للإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس.. فمن المحال يا مستر إيدن أن تحقق ما تقول. أما انه قال سنتخذ إجراءات ضد قناة السويس، فاظهرت ايضا ان هناك اتفاقية عالمية سنة 1888 توضح أنه لا يجوز الاعتداء علي القناة من ناحية بورسعيد أو السويس ولكن يمكن عمل حصار بحري فقط بعد المياه الاقليمية، وأن أي عمل سيقوم به سيخالف القانون الدولي. بعد ذلك بدأت عملية الهجوم علي مصر والتي انتهت بانتصارنا علي العدوان الثلاثي وقال مستر إيدن إن الدعاية المصرية هي السبب في ضياع الامبراطورية البريطانية لان القوات البريطانية والفرنسية كانت قد نزلت في بورسعيد واضطرت للانسحاب.. كما قال بن جوريون ان الدعاية المصرية هزمتنا. ويقول د. حاتم لقد توليت ثلاث وزارات في وقت واحد في عهد جمال عبدالناصر وقد نشرت الصحف ان يوسف السباعي سأل الرئيس نحن ضباط اصدقاؤك ومع ذلك فحاتم هو الوحيد الذي اخترته لكل هذه المناصب: وكان رد الرئيس عبدالناصر هنا كلكم اصدقائي ولكن د. حاتم لم آخذه لمجرد انه صديق بل هو كفء ودارس إعلام واقتصاد وقانون وصاحب فكر ورؤية واتعامل معه كأسطي إعلام. ويحكي د. حاتم انه كان في اجازة واذيعت خطب عبدالناصر في التليفزيون والاذاعة كثيرا فلما عدت قللت اذاعتها وجعلتها بنسبة معقولة، ولما سألني عبدالناصر: هل صحيح أنك منعت إذاعة خطبي؟ لم ارد فلم اتوقع مثل هذا السؤال من عبدالناصر والذي يبدو سؤاله وكأنه شبهة اتهام فقال لي عبدالناصر لماذا لم ترد فقلت له لأنني لا استطيع ان اتكلم فضحك وقال هل تعلم ماذا قلت للشخص الذي جاءني يشي بك قلت له د. حاتم رجل اعلام ويعمل ليلا ونهارا حتي الساعة الواحدة ليلا ونحن في بيوتنا ويرد علي ايدن وجي موليه ويعمل دعاية في الجزائر وللملك محمد الخامس كل هذا وجاي تقول لي د. حاتم منع اذاعة خطبي؟! لو منعها يبقي هو الصح، وقلت لعبدالناصر: كثرة ا لاعلام للشخص عملية مضادة، تأتي بنتائج عكسية، وهي من الناحية ا لاعلامية غلط، فقال: فعلا كلامك صح، فقلت: هذه مباديء اعلام درستها وحصلت فيها علي الدكتوراه. 3 وزارات في وقت واحد ما قصة توليك ثلاث وزارات في وقت واحد؟. يضحك د. عبدالقادر حاتم وهو يقول في البداية عرض علي الرئيس جمال عبدالناصر تولي وزارة الارشاد القومي. وحينما أخبرته بعدم درايتي بأعمال الوزارة، فقال لي: انه سيصدر قرارا بتوليه هو وزارة الارشاد الي جانب رئاسته للوزراء، وبما انني مدير مكتبه يمكنه ان يفوض لي اعمال الوزارة حتي اتعرف عن قرب علي كل المهام المطلوبة من وزير الإشاد. وبالفعل تم الامر. وفي عام 1958م اصدر الرئيس عبدالناصر قرارا بتعييني نائبا لوزير شئون رئاسة الجمهورية وان أكون مسئولا عن اعمال وزارة الارشاد القومي التي كانت تضم الاذاعة والاستعلامات والفنون.. ونظرا لخبرتي العلمية والعملية في هذا المجال اقترحت علي الرئيس عبدالناصر، انشاء اول وزارة للاعلام، في مصر والعالم العربي، ووافق الرئيس علي الفور وبدأت حكومات العالم العربي تتصل بي بعد ذلك لكي اساعدهم في انشاء وزارات مماثلة خاصة بشئون الاعلام.. وبعد ذلك تم تعييني وزيرا للثقافة في اكتوبر عام 1962م وفي العام نفسه اسهمت في انشاء اول وزارة للسياحة في مصر، وكنت اري ان الدخل القومي للسياحة في ذلك الوقت هو 12 مليون دولار وبالطبع هذا العائد الضئيل لا يتناسب مع تاريخ وحضارة وامكانات اقدم دولة في العالم خاصة في ضوء حاجتنا الي العملة الصعبة! وبذلك كنت الشخص الوحيد في مصر وربما في العالم الذي تولي ثلاث وزارات في وقت واحد!!