نعم نحن في محنة أخلاقية لاندري هل يكون العلاج الأنجع لها أن نغير المسئولين أم نغير الشعب؟ الأخبار الغريبة أصبحت تمر علينا بسلاسة وألفة، دون أي اندهاش أو التياع لما تمثله من انهيار وتدهور لأصول وقيم شعب تضرب جذوره في عمق التاريخ. الكوارث تتوالي دون أن يخرج مسئول واحد يقدم اعتذاره للشعب أو حتي لمجلس الوزراء ويتحمل المسئولية السياسية عما يقع في نطاق عمله. بدلاً من ذلك نجد تبريرات مخزية لأخطاء قاتلة، وتصريحات مرتبكة فضفاضة كل الغرض منها هو الهروب من المسئولية. الأمثلة كثيرة ولانهائية. خذ عندك حادث خروج إحدي عربات مترو الأنفاق عن مسارها. لقد كاد الحادث أن يتسبب في كارثة إنسانية لولا لطف الله، وكان تفسير الحادث تكثيفاً مزرياً لحالة اللا مبالاة التي استبدت بالقائمين علي هذا المرفق الحيوي والجماهيري، ويعكس حالة من الاستخفاف المقيت تعيدنا إلي عصر البدائية وتذكرنا بحجة فأر السبتية الذي كان يتحمل وزر تكرار انقطاع التيار الكهربائي. اليوم سيصبح «المحولجي» هو الشخصية الرمزية التي تعكس الاستهانة بأرواح أبناء هذا البلد وبموارده ودليلاً صارخاً علي إخفاق إداري وفني منقطع النظير. مترو الأنفاق الذي كان مضرب المثل في الدقة والنظام أيام وجود الشركة الفرنسية وكنا نظن أنه يعمل بالطاقة الكهربائية، اعتماداً علي محطات تغذية معينة لتجنب الأعطال، أصبح جزءا من منظومة متهالكة مترنحة للنقل الجماعي وبات من الممكن أن تتحول أحدث التكنولوجيات التي استخدمت من أجله، والمليارات التي أنفقت علي تطويره وتوسعة خطوطه في لحظة إلي هباء منثور بسبب «محولجي». ويأتي حادث غرق صندل محمل بالفوسفات في قنا دليلاً آخر صارخاً علي استخفاف المسئولين بالشعب.إذ تخرج تصريحات لوزير البيئة يقول فيها إن هذا الحادث «مؤسف» ويجب ألا يتكرر!!، ولا ندري حقاً ما الذي يعنيه الوزير بكلامه هذا؟ هل يقصد تعهداً بعدم تكرار الحادث، أم تحذيراً لطرف ما بعدم تكرار الخطأ؟ ثم يضيف في دروشة غريبة: «إن ربنا حامي البلد لأن الكتل الغارقة غير قابلة للذوبان»، من ثم فلا تأثير سلبياً علي الصحة! ثم تأتينا تحذيرات من خطورة فلاتر المياه من طراز الثلاث والسبع شعلات بالتوازي مع تصريحات هزلية من قطاع الري بأن الفوسفات مفيد للصحة وأن الدول المتقدمة تضيفه إلي مياه الشرب، وكأنها نصيحة أو وصفة طبية، ليقف المواطن حائراً بين تصريحات الحكوميين ولايدري هل يشرب الماء أم يمتنع عنه؟ وهل يضيف الفوسفات لمياه الشرب كي يهنأ بفائدته ومفعوله السحري في جلاء الصدور وتزويج البنات أم يكتفي بالجرعة التي أودعها الله في مياه النيل لحسن حظنا إثر الحادث الغريب. وتأتي ثالثة الأثافي بحادث التسمم الجماعي الغامض في محافظة الشرقية الذي مر علينا دون تبرير أو تفسير منطقي من وزارة الصحة التي انحصر كل همها في نفي التهمة عن فوسفات قنا، وبالتالي عن تلوث ماء الشرب. هل تريد المزيد من المؤسفات المبكيات؟ إليك تلك الظاهرة التي تفشت بين المسئولين عند تعاملهم مع مرءوسين أو مواطنين يعدونهم أدني منهم مكانة. من محافظ يصفع عامل نظافة، وآخر ينهر مواطناً، ويسبه واصفا إياه بأنه «عديم الدم» وثالث يتعافي علي مواطنة تشكو حالها ليأتينا أخيراً الخبر الصاعق عن قيام وكيل وزارة بحبس زميلته المديرة التي يرأسها في مكتبها وتحريضه للعمال علي إغلاق المكتب بالقفل علي الموظفة بعد انتهاء ساعات العمل رغم علمهم بوجودها فيه. لو صح الخبر الذي نشرته «الوطن» نكون في محنة أخلاقية خطيرة عنوانها العريض هو التجاوز، والتفنن في الخروج علي كل القيم والأعراف، والجهل بمقتضيات الوظيفة العامة والحدود التي ينبغي علي كبار الموظفين الالتزام بها. نعم نحن في محنة أخلاقية لاندري هل يكون العلاج الأنجع لها أن نغير المسئولين أم نغير الشعب؟