«منذ سنوات نشرت في اليوميات بعض الحكايات الهائمة التي دونتها، واليوم اختار بعضا منها بعد صدور المرحلة الأولي منها». منتصف مارس الماضي اتصلت بي السيدة داليا ابراهيم مديرة دار نهضة مصر لتخبرني أن «الحكايات الهائمة» أمامها الآن، وأنها تسلمت من المطبعة ثلاث نسخ، السبت التالي وصلتني نسختان، ما من لحظة مماثلة لتلك التي ينتهي فيها كاتب من عمل طويل استغرق عدةسنوات، وأودعه خلاصة رؤيته للوجود والكون محاولا تفسير أحاجي و«ألغاز الحياة» في هذه اللحظة عندما يكتمل طبع الكتاب ويبدأ رحلته إلي القراء يتم انفصال الجنين عن الأصل بعد أن كان جزءا منه، ما أشبه العلاقة بين الكاتب وكتابه بالصلة بين الأم والمولود، صحيح أنها تتعهده بالرعاية، تعلمه وتلقنه وتبصره لكنه مع الأيام يزداد بعدا كلما اكتملت ملامح شخصيته وتراكمت خبراته، يصبح وجوده المستقل القائم بذاته حقيقة موضوعية، هكذا العلاقة بالنص الذي يبدأ مجرد ومضة، أو فكرة، اعتدت أن أدونها في كراسة صغيرة، وأن أتبع تطورها، إلي أن تحين اللحظة التي تتجسد فيها علي الورق، قصة قصيرة أو رواية، غيرأن حديثي متجه أكثر إلي الرواية التي تمثل نشاطي الاساسي، بعض الومضات بدأت منذ أربعة عقود، لم أشرع في تجسيدها حتي الآن وربما لا يحدث هذا ابدا، بعض الافكار بدأت بمجرد ورودها، لاقانون يحكم العملية الابداعية، لكل عمل ظروفه الخاصة، بعض الاعمال تقتضي تدقيقا وإحاطة بمصادر تتصل بالعصر الذي تدور فيه الأحداث، يمكن القول أن التمهيد للخطة بدء كتابة «الزيني بركات» استغرق سنوات عديدة منذ بدء معايشتي- ولااقول قراءة- الموسوعة التاريخية الكبري «بدائع الزهور في وقائع الدهور» للمؤرخ المصري محمد احمد بن اياس الحنفي المصري، في البداية كانت الفكرة العامة تدور حول شخصية انتهازي في الشلق بمقاييس الستينات، إلا انها اقترنت عندي بشخصية قرأت شذرات عنها في تاريخ ابن اياس، صاحبها الزيني بركات بن موسي، الذي بدأ حياته بمهمة متواضعة، ميقاتي في ركب الحج، ثم بدأ رحلة الصعود إلي أن اصبح متولي حسبة القاهرة، قرأت عن نظام الحسبة، تقريباكل ما يتعلق به خاصة «نهاية الرتبة في طلب الحسبة» لابن الداية والذي طبع محققا في الهيئة المصرية العامة للكتاب، قرأت عن مدينة القاهرة في القرن السادس عشر، اسماء الشوارع والحارات والدروب، عن العادات، عن الوظائف، والملابس، ومما أسعدني ملاحظة المستعرب الفرنسي أندريه ريمون المتخصص في مصر المملوكية والعثمانية، قال لي انه لم يجد خطأ تاريخيا واحدا في الرواية، نعم.. كل التفاصيل دقيقة، لكنني قمت بتفكيكها واعادة صياغتها ضمن عالم متخيل أعالج فيه موضوع قهر حرية الانسان وإرادته، بدأت بفكرة حول انتهازي وعندما شرعت في الكتابة فوجئت بموضوع عانيت منه كما عاني عنه جيلي يفرض نفسه، القمع، اكثر من ذلك عندما بدأت الكتابة التزمت الشكل السائد للرواية الفصل الأول، الفصل الثاني، كتبت حوالي خمسين صفحة إلا انني عانيت بشدة، ما أردت أن أعبر منه لم يتلاءم مع الشكل السائد، صحيح انني شغلت منذ أن بدأت عام 1959 بكتابة ما لم أقرأ مثله غير أن تحقيق ذلك لم يكن سهلا، من خلال المعاناة أهتديت إلي الشكل الذي ظهرت به «الزيني بركات» للقراء، رحلة طويلة منذ ذلك الحين حتي كتابة «الحكايات الهائمة»، خلال هذه السنوات الطويلة كانت الرغبة الاساسية «التجاوز» تحقق بقدر في خلال هذه الرحلة الطويلة، كان «كتاب التجليات» مرحلة هامة، غير انني في بداية التسعينات بدأت مشروعي الطويل، «دفاتر التدوين» الذي صدرمنه حتي عام 2011 سبعة دفاتر، ونشر مؤخرا في اخبار اليوم الجزء الاول من «دفتر الدفاتر» عندما بدأت «الحكايات الهائمة» منذ حوالي ثماني سنوات ادركت انني أتحرر من جميع الأطر المسبقة، لم أعد داخليا ملتزما أو مضطرا إلي اتباع أي نموذج مسبق، الشكل يولد مع موضوعه بدافع من تحرر كامل، أما التعبير عن رؤيتي للوجود فأثق أن الحكايات أتم تعبير عنه حتي الآن، عندما اتجهت إلي دار نهضة مصر لأوقع النسخ المخصصة للاصدقاء مع المستشارة الثقافية للنشر السيدة نشوي الحوفي، كنت اتساءل عن رحلة كل نسخةالي قارئ لا اعرفه، لو أن ثمة امكانية تبصر الكاتب بمسار كل منها وكيفية تلقي كل قارئ للحكايات أو غيرها. هذا موضوع يطول الحديث فيه، غير أنني أورد في اليوميات بعض الحكايات التي هامت زمنا في روحي حتي أخرجتها للناس، وهذه كلها من حكايات الكتب. ما لم يرد في كتب وقع بصري أول مرة علي الشيخ الاجل صالح الجعفري وانا ابن تسع سنوات، اعتاد الوالد -رحمه الله- صحبتنا، انا وأخي الأصغر مني اسماعيل إلي المساجد وأضرحة الأولياء والصالحين، خاصة مشهد سيدنا وحبيبنا الامام الحسين عليه السلام والأزهر الذي اعتاد سماع درس العصر فيه، يحضر الحلقة التي تنتظم حول الشيخ صالح الجعفري، كان مهيبا، قوي الحضور، أسمر كأهل أسوان، له هيبة وتكوين، يجلس إلي عمود، فوق كرسي بدون مسند، الحلقة تضم طلبة الازهر من المجاورين نزلاء الرواق وغيرهم، من حق أي انسان حضور الدرس، توجيه السؤال. هذا نظام معمول به من قديم، كنت أقعد إلي يمين أبي وشقيقي إلي يساره، مع تقدمي في الطريق صرت أحضر بمفردي، لم يحدث ان خاطبته قط، كنت مستمعا، متلقيا عنه، رأيته مرات يسعي في الاسواق القريبة، يقضي حاجته بنفسه، ومرات أخري في الترام رقم تسعة عشر الواصل بين ميدان العتبة والازهر، وقد بطل في نهاية الستينات، اقام الشيخ في رواق الصعايدة، ينام علي الحصير ويأكل خبز الجراية، وهو الانسان الوحيد الذي عاينت انتقاله من انسان إلي وليّ بعد غيابه، وله الآن ضريح مهيب اقامه الخلفاء المخلصون يضم مشفي وملجأ لليتامي ومقار لاغاثة المهضومين، شقيقي الاصغر علي لاذ به بعد طول معاناة مع الوهن والسقم حتي صار من ثوابت الحضرة التي تقام كل خميس ولها ترتيب معلوم إلي أن قضي، يعلق بي الشيخ بعد صلاة جمعة، كان خارجا من الباب الرئيسي عند مدخل الباطنية، صافحه أبي وسأله: إلي أين؟، قال انه متجه إلي البقال ليتحدث إلي الاهل من الهاتف، عندئذ قال الوالد، أعلم بوجود هاتف في الرواق، قال الشيخ: هذا للشغل اما مكالمتي فتخصني. عاينت ذلك، مرات أخري فيما تلا ذلك عندما عرفت طريقي اليه بمفردي، سأل طلابه أن يكتب كل منهم في كراس ما لم يرد في كتاب، حار أمري، ماذا يقصد، أمهل الجميع شهرا، في الموعد المحدد عدت ومعي كراس خال تماما، لم اكتب بصفحاته اسمي حتي، كنت أتلقي عنه ولا اشارك بالاستفسار، أصغي وأصغي ولا اطرح ما يعن لي من سؤال، احيانا أدون جملة تلفت ذائقتي،أو شرحا فريدا لبيت من الشعر أو حديثا لم يصادفني في الكتب، في ذلك العصر تجمع نفر من كل صوب، فيهم الصعيدي والبحري، المغربي والمشرقي، المالاوي والاندونيسي، الصيني والتركي والأعجمي، الكردي والعربي، راح كل منهم يذكر ما دونه مما لم يرد في كتب، طال البسط والاصغاء من فضيلته إلا أن بادرة رضا لم تلح، قبل رفع صلاة المغرب اتجه اليّ خاطبني: «وانت.. ماذا عندك؟» فوجئت حتي ارتج عليّ، فلم يسبق لي أن توجهت اليه أو عنه، اشار إلي الكراس، رفعته، قلبت صفحاته الخالية من كل خط اوحرف، اشار اليّ، تقدمت خجلا متعثرا في نفسي، تناول الكراس رفعه بيده قائلا للكافة:«هنا.. ما لم يرد في كتب..» كون لسمرقند عندي رعدة وهزة، غابت عني التفاصيل عدا صور متفرقة ستبلي إن عاجلا أو اجلا، لون الخزف الازرق وكتابة بيضاء تتخلله، صروح خاوية، مساجد عظمي بلاشعائر، اجزاء من سور، حديقة أشرفت عليها في الصباح، عندما تطلعت من نافذة الفندق الذي وصلنا اليه ليلا فقابل بصري شجر التيوليب، لم أره إلا في المنمنمات التي تزين الكتب، طريق يحفه صفان من اشجار باسقات كحضن المحبوبة التي لحظوها عندي رجع ورعدة حتي زمني هذا رغم فوات السنين وضعف الهمة وبعد الشقة،آه من نسيم سمرقند آه، لها من الألوان السماوي ومن العطور الند والعود ومن الطيور الكناريا ومن الأنغام مقام نهاوند، ومن الظهور كل طلع نضيد، عند جزء من السور تأهبنا لدخول المرصد، بجواري سي الطاهر صاحبي الاديب الجزائري، لحيظات جلل أتبسبس لاستعادتها وأشف، من رغب في الاستزادة عليه برسالتي في الصبابة والوجد، لعلي أبلغ الاسباب. دخلت أمامي ساحة مرصد اولغ بك، ضمنا حيز محدود فاتيح لي تنسم شذاها ومقاربة شفقها وبلل روحي نداها، وقف المرافق الاوزبكي يتحدث عن المرصد، متي وكيف انشئ بمبادرة من اولغ بك، كان مهابا في قومه، لم يشغله موقعه عن متابعة الفلك، كنت مشغولا باستقصاء اصدائها ومقاربة مداره، غير أنه عندما تحدث عما توصل اليه أولغ بك التفت وانتبهت والله لم أحد عنها ولم أضل، انما صرت أبصر بها وأسمع، لي بالنجوم تعلق وبالكواكب شغل، قال المرافق انه أمضي سنوات طويلة يتبع ويرقب ويرصد الأفلاك، أدرك بعد طول فحص وتدوين أن النجوم والشهب والنيازك والكويكبات الهائمة والمجرات ما هي إلا حروف لكلمات مبهمة، أدرك منها القليل ولم يتوصل إلي معرفة الكثير، ليست السماء الا كتاب الكون ما خفي منه وما ظهر، استعدت رحلة بعيدة إلي سقارة، كنت في المرحلة الاعدادية، مازلت اذكر سقف مقبرة، اسود عميق، تتخلله نجوم ذهبية، قال الدليل يومها ان القوم نظروا إلي السماء باعتبارها صفحة في كتاب الكون ما النجوم والافلاك إلا حروف فيه، لكن.. ماذا تقول؟، حاولت جاهدا الوصول إلي ذلك السقف، لم أوفق رغم السماح لي بدخول أي مقبرة أو هرم، متاح أو غير متاح، هل وصل إلي اولغ بك نبأ من مصر القديمة؟، هل فك سر الحرف. اذن ماذا تكون هي؟ يانسيم سمرقند لاتغرب عني، من تلك اللحظة أتزود وأتجدد، من هي بوقفتها، بطلتها، بالتفاتتها، اقول ولا أخفي، انها مفتتح ذلك الكتاب القديم، الباقي، ألف البداية، ياء المختتم، فهل وعيت وأدركت؟ كتب الوصول بعد أن استقر الأمر لمكتبة الاسكندرية، اصبحت أشهر مكتبات العالم القديم وتحقق الغرض منها، تجميع علوم المصريين الأقدمين من سائر المعابد ونقلها إلي الضفة الأخري من البحر، إلي بلاد اليونان، أمر بطليموس التاسع بألا يسمح بدخول أي مركب صغر حجمه أو كبر إلي ميناء الاسكندرية إلااذا نزل ربانه وسلم كتاباالي رجل المكتبة الذي خصص له قارب صار معروفا لكل الربانية، مزود بما يمكنه من الصعود خاوي اليدين والنزول ممسكا بالمخطوط او اللفافة او الاوراق المضمومة، لم يضع بطليموس شروطا لما يجب أن يكون عليه الكتاب، لا حجمه ولانوعه، أو مضمونه، المهم كتاب، أي لغة، يمكن اكثر، هكذا حوت المكتبة ما حوت، في صبيحة صافية البحر والفضاء ظهر مركب من طراز غير معهود، أشرعته صغيرة، هرمية الشكل وليست مستطيلة أو مربعة كما هو معهود، عندما طلع رجل المكتبة لم يجد كتابا في انتظاره، كان التفاهم ممكنا بقدر لأن الربان يعرف لغة شعوب البحر التي يتقنها رجل المكتبة، عندما طالبه بكتاب، قال انه يجهل ذلك لأنها المرة الأولي التي يبحر فيها إلي تلك الشواطئ، انه قادم من ارض لم يبلغها احد، هناك عند الطرف الآخر من المحيط الأعظم، لم يبلغهم ذلك، لكن ما دام الأمر كذلك فسوف يهدي ملك الديار كتابا ليس مثله مثل،أتي بلفافة من ورق يشبه اوراق الشجر المعمر، اعتاد رجل المكتبة ألا يستفسر، ألا يفحص، كثير من الكتب التي تسلمها لم يعرف مضمونها، نهاية اليوم مضي إلي القيم، حافظ المحتوي يوزع ما يرد علي المواضع المحددة، طبقا للمضمون أو اللغة، عندما فرد اللفافة لم يطالعه حرف، دهش، فردها حتي الحافة، حدق وأمعن وفي لحظة بعينها بدأ وجهه يكفهر كبداية النوة عند أفق البحر، القيم من حكماء معبد أبيدوس، عالم بما كان وبعض مما سيكون، فجأة قلع غطاء رأسه، لطم خديه وأنفرط حضوره مبديا ندمه، موغلا في الاعتراف بذنبه، ليته لم يفض اللفافة الخالية، ليته لم يفض الصفحات التي لم تعد ناصعة كما جاءت، كل المعارف المتوارثة والمحفوظة انتقلت إلي هناك عبر اللفافة، عبر اللفافة، كان ذلك كذلك، بداية أفول المكتبة. كتاب البحر عائد من جزيرة شدوان ليلا إلي الغردقة، مركب صيد، ريسه صعيدي من قفط، جاء ليقيم مع أبيه الذي سعي إلي الرزق، اتقن الابحار حتي صاروا يقولون اذا ذكر اسمه «البحر الأحمر لعبته..» كان يحفظ مستويات الأعماق، مواقع الجزر، أنواع الكائنات البحرية، يقسم أن الشعاب المرجانية تفرز منيا كالرجال تلقح به الماء والفضاء، علماء متخصصون يجيئون اليه من كل فج، يستقصون ويستعلمون، يأخذون عنه ويدونون، عندما بدأ هجوم العدو الاسرائيلي علي الجزيرة المرابط فوقها سرية صاعقة، قاتلت بشراسة، أرهفت البلاد كلها سمعها لما يتلا من بيانات كان فيها ما لم يعتده القوم، ذكرت الخسائر بدقة، تجاوز الشهداء السبعين، احتلال العدو الجزيرة لساعات، وصلت إلي الغردقة من القاهرة، كنت يافعا، جلدا، أهدئ النفس بالتواجد في قلب الخطر من خلال عملي كصحفي، قصدت الجزيرة مع ضابط بحري، والعقيد محمد مازن السوهاجي كان قائدا لمكتب مخابرات البحر الاحمر وثلاثة صيادين يعملون علي المركب، نشطوا خلال المعركة، نقلوا سلاحا وذخيرة ومددا، يقول الريس انه يمكنه الابحار عبر طرق لا يمكن حتي للأقمار الصناعية أن ترصده عبرها، يشيرالي الماء الممتد، يقول هذا الاستواء فيه دروب وممرات ومنعرجات، لاتظهر الا لمن يعرفها ويتقن التعامل معها، عندما وصلنا الجزيرة صلدة الصخور، كلهامرجانية يستحيل الحفر فيها، لذلك بقيت أجساد اربعة وعشرين شهيدا بدون دفن، العدو قام بتلغيمها، غطيت بالبطاطين، لم أر إلا وجها واحدا لمجند، خريج المعهد الازهري بنجع حمادي، دونت اسمه، واحتفظت به، وبعد حوالي نصف قرن تطالعني ملامحه التي لم تكن قد توارت بعد، كان موجودا وغير موجود، أري الفنار عند الطرف الجنوني، عنده جرت واقعة ذكرتها فيما دونت، شدوان من الأماكن القليلة في الدنيا التي تركت عندي اثرا، الليل اقترب، ينشط الطيران المعادي مع آخر ضوء. يجب الانتظار حتي ما بعد المغيب، بدأت العودة، ظهر السلاح المخبأ، ربما نتعرض لهجوم، تنقلت من أعلي نقطة، كابينة المراقبة إلي المقدمة، العقيد مازن حدثني باشياء مازلت اذكرها، بعد انتهاء الحرب استشهد في حادث مروحية ذاع أمره، قضي فيه وزير الدفاع احمد بدوي وثلاثة عشر ضابطا لقوا جميعا آجالهم، منهم مازن الذي أقمت في مقره، مكان ما لا يمكنني تحديده الآن، موقعه في ذاكرتي، غير أن ما اذكره هذا العدد الهائل من النجوم وغمام مجرة درب التبانة والشهب المنفلتة، واصداء النجوم في الماء الذي راح ريس المركب النحيل، ممصوص الوجنتين، عمامته عالية، كان يطيل النظر إلي الماء علي جانبي المركب، مرةمن يسار، وأخري من يمين، تعجبت، ظننته سيظل متطلعا إلي الامام، وضع كل الربانية، سألته، لماذاينظر إلي الماء؟ التفت إلي لحيظة وعادالي وضعه، قال انه يقرأ كتاب البحر ليدله علي الطريق غير المطروق الذي يسلكه، ثم قال ان البحر كتاب غويط، غويط، لا يقرأه إلا من يعرف احاجيه وأسراره، فيه كل ما تتخيل حتي ما يتعلق بالسماء.