كنت أعرف حين كتبت مقال «مغامرة إسلام بحيري» منذ ثلاثة أشهر( الأحد 4/1) أنني سأضع الرقم (2) في وقت قريب، لكنه كان أقرب مما أتصور، ففي مناظرة «مؤسفة» تم استدراج الباحث إسلام بحيري ليقع في الفخ الذي نصبه له مستشار شيخ الأزهر، حين أرسل باحثا شابا ليناظر إسلام في برنامج أسامة كمال «القاهرة 360»، كنت أتصور أن يحضر مستشار شيخ الأزهر المناظرة، فالأمر «جلل» كما يرون، والخطر الذي يمثله «إسلام» علي «الإسلام»! يحتاج لحكمة الشيوخ لا لرعونة الشباب. هل الأمر من قبيل الاستعلاء، علي الطريقة المباركية :»خليهم يتسلوا»؟!لن ألقي الاتهامات جزافا، سأدعوكم لتأمل المشهد: د.عبدالله رشدي، مندوب الأزهر، شاب يرتدي بدلة، لا شيخا معمما، يبتسم مبديا ثبات الأعصاب، في يده موبايل، ومن الواضح أنه يتلقي رسائل «تعينه» علي المناظرة، لابأس، «فماخاب من استشار»، صورة «عصرية» للشيخ الأزهري، تتمثل في حداثة الملبس والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، بينما بدا الباحث الشاب إسلام بحيري، غاضبا، وثائرا، وهو يرد علي اتهامات للأزهري الشاب من نوع: «أنت تطعن في الذات الإلهية»، «أنت تصف الخالق بألفاظ قميئة»، «أنت لا تحترم القرآن.....إلخ.» وبعصبية واضحة، حاول إسلام دفع هذه الاتهامات عن نفسه، بينما الأزهري يسردها «ببساطة»! وهو يبتسم «مشروح الصدر» علي حد تعبيره! أخبرنا أسامة كمال أنهما تعانقا بعد الحلقة، وأن الأزهري هو من بادر إسلام قائلا: «إحنا كلنا مسلمين»! ولم لا يعانقه؟! لقد ألقي الأزهري «قنبلته»باتهامات، واحد منها فقط، يكفي: «لقطع رأس»، مدعوما بأعرق مؤسسة دينية! ومضي بريئا، نظيف اليدين، من دم إسلام، الذي أهدره، ولاشك، بعض الذين شاهدوا البرنامج، وتوقفوا، كالمعتاد، عند اتهامات الأزهري الدمث، المتسامح، الخلوق! حين كتبت عن مغامرة إسلام بحيري، سابقا، قلت:» يبدو الفارق شاسعا بين العقل ال» مارشيدير»، والعقل النقدي ل»بحيري»، قارئا النصوص في سياقاتها الماضية وواضعا إياها في زمننا، باحثا عن النبع الصافي للفكر، وللدين، ولقدرة الإنسان علي الفرز والإبداع. يبدو الشاب وكأنه «ينقب» في حفريات المعرفة، مطوحا بكل هذا الغثاء عن طريقه». وأعود هنا لأكرر: أنه رغم «الحداثة وما بعدها» التي يتسم بها «مظهر» الأزهري الشاب، وبغض النظر عن اتفاقنا، أو اختلافنا، مع بحيري، فعلينا أن نعيد التفكير( للمرة الألف؟!) في الفارق بين العقلين، الفارق نفسه، الذي أودي بحياة فرج فودة (في مناظرة أكثر عمقا)، والذي غرز السكين في رقبة «نجيب محفوظ»، وأودي بحياة نصر أبوزيد في المنافي، وغيرهم. الفارق الدقيق يكمن في نمطين من التعامل مع التراث، أو بالأحري ما بين «تقديس التراث» وهو منتج بشري، ومساءلته بوصفه «منتجا بشريا»، والخلط «المتعمد» ما بين النص القرآني المقدس، ومادار حوله من دراسات لبشر مثلنا، وإضفاء القداسة عليهم، بين «النقل» و»العقل»، بين أن تعتبر «التراث» هو الواقع، وتفرضه علي الواقع، وتلوي عنق الواقع كي يتواءم معه، وبين أن: « نتساءل في جدية وإخلاص وموضوعية: «ماهو الإسلام؟ والسؤال يكتسب مشروعيته من تلك الفوضي الفكرية التي تسيطر علي المفاهيم الدينية في ثقافتنا نتيجة لاختلاف الرؤي والتوجهات في الواقع الثقافي المعاصر من جهة، ونتيجة لتعدد الاجتهادات والتأويلات في التراث من جهة أخري» ( والكلام لأستاذي نصر أبو زيد في مقدمة كتابه مفهوم النص)، بين العقلين شرخٌ لم ولن يُجبر، منهجيا، تماما كمن يضع «الموبايل» في محبرة، ويرفعه للمناظرة!التي لم تسفر عن شيء للأسف، لأن التوتر الإنساني «المشروع» لإسلام أوقعه في فخ «التفاصيل»، المدرب عليها الأزهري جيدا، وبالسيف «الشهرياري» للتكفير(الذي لم يرفعه الأزهر في وجه داعش نفسها!)، بدت المناظرة وكأنها ضرب للنصوص بالنصوص، وسباحة «اضطرارية» في المياه القديمة، خارج الواقع، خارج «الآن»، اللذين ما بدأت مغامرة إسلام، الجديرة بالاحترام، إلا منهما!