وهكذا.. ما يحدث من تطورات في اليمن يعنينا بشكل مباشر مثلما يعني المملكة العربية السعودية، حتي ولو لم يكن يجمعنا معه حدود مشتركة مثلها لأن الذاكرة المصرية تحتفظ بذكريات تعرضنا للعدوان الاسرائيلي في يونيو عام 1967 ونحن نخوض حربا في اليمن، فقد عبر البعض عن مخاوفه من الاشتراك في عاصفة الحزم التي أطلقتها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وذلك خشية أن يؤدي هذا الي تورطنا مجددا عسكريا في اليمن في وقت نخوض فيه حربا ضد إرهاب شرس في سيناء وأنحاء أخري من البلاد.. بل لقد ذهب البعض الي القول إننا نشارك في عاصفة الحزم مجاملة فقط للمملكة العربية السعودية لأنها بادرت بمساندتنا ودعمنا(سياسيا واقتصاديا) عندما انتفضنا لعزل مرسي والتخلص من حكم الإخوان الفاشي في مواجهة رفض أمريكي وأوربي لما قمنا به وقتها. غير أن هؤلاء يتغافلون الاخطار التي تهدد القوي المصري بالفعل لما يحدث في اليمن، ليس فقط بشكل غير مباشر وإنما مباشر ايضا.. فالخطر لا يلحق فقط بحليف قوي لنا الآن وهو كل دول الخليج وعلي رأسها السعودية، التي يعد أمنها القومي جزءا من الأمن القومي المصري، وانما صار يهددنا بشكل مباشر أيضا لأكثر من سبب. أولا: لان التمدد الايراني في المنطقة سيكون علي حسابنا، حيث تعد مصر قوة اقليمية منافسة لكل من تركياوايران، واستيلاء ايران من خلال الحوثيين علي اليمن بعد توسعها في كل من العراقوسوريا وتواجدها في لبنان من خلال حزب الله سيكون خصما من الوزن الاقليمي لمصر، وبالتالي سوف يخل بالتوازن الاقليمي لغير صالحنا. ثانيا: ان سيطرة الحوثيين علي اليمن هو مبعث قلق لنا في منطقة باب المندب، فقد تستخدم هذه السيطرة في الاضرار بنا، وبمشروعاتنا التي تستهدف تطوير منطقة قناة السويس.. ولا يقلل من ذلك أن باب المندب ممر دولي لن تسمح القوي الدولية المتواجدة فيه أو بالقرب منه بإغلاقه.. فالاحري ان نشاركها هذا التواجد لتضع في اعتبارها مصالحنا المصرية. وهكذا.. ما يحدث من تطورات في اليمن يعنينا بشكل مباشر مثلما يعني المملكة العربية السعودية، حتي ولو لم يكن تجمعنا معه حدود مشتركة مثلها.. وبالتالي لا يمكن تجاهل هذه التطورات في اليمن مصريا.. وعندما قرر عبدالناصر التدخل عسكريا في اليمن لمساندة الثورة اليمنية لم يفعل ذلك تعويضا عن سوريا التي فقدها بالانفصال وفض الوحدة معها، أو لأنه كان يخوض صراعا ضد الانظمة التقليدية العربية، وانما لانه كان يدرك أهمية اليمن الاستراتيجية لمصر.. أما التخطيط للعدوان الاسرائيلي فقد تم الاعداد والترتيب له لأن مصر رفضت الانصياع للهيمنة الامريكية وقررت انتهاج سياسة مستقلة. إذن.. لا مجاملة للسعودية بمشاركتنا في عاصفة الحزم يفرضها علينا الحياء السياسي او الحرص علي دعمها لنا هي ودول الخليج، ولا تسديد لفواتير مستحقة علينا عندما بادرت السعودية بدعمنا في وقت حرج كنا نحتاج فيه بشدة لهذا الدعم ومعها دعم كل الاشقاء في الخليج، خاصة وأننا ندرك ان هذا الدعم الخليجي لنا هو دعم للأمن القومي الخليجي أساسا. إنما مشاركتنا في هذه العاصفة في الاساس هي دفاع عن الأمن القومي المصري الذي يعد أمن الخليج ومنطقة البحر الاحمر جزءا اساسيا منه.. نحن بمشاركتنا في تلك العاصفة ندافع عن أنفسنا قبل ان ندافع عن اشقائنا في الخليج في مواجهة محاولات ايرانية لفرض الهيمنة عليه لتصبح إيران هي القوة الاقليمية الوحيدة والأكبر في منطقتنا، أو لكي تبني امبراطوريتها التي رأي مستشار الرئيس الايراني انها قامت بالفعل وأضحت عاصمتها بغداد! أما الحرص علي ألا نتورط في خوض الحرب علي أكثر من جبهة، خاصة وأن ثمة جبهات عديدة مفتوحة، فهو أمر مفهوم مطلوب، حماية لقواتنا المسلحة المستهدفة الأولي من قبل اعدائنا وخصومنا، خاصة أن هذه القوات هي التي أنقذت دولتنا الوطنية من التقويض الذي كان يدبر لها.. غير أننا يتعين ان نثق في ان قيادتنا السياسية الحالية ومعها قيادة القوات المسلحة تشاركنا ذات الحرص.. ولعل اقتراح اقامة قوة عربية مشتركة الذي بادر به الرئيس السيسي وتبنته مؤخرا القمة العربية التي عقدت في شرم الشيخ يعكس هذا الحرص بوضوح.