تماماً مثل أفلام الجاسوسية والأكشن الأمريكية، أرادت الصحافة الإسرائيلية تصوير مصرع المدعي العام الأرچنتيني ألبرتو نيسمان تصويراً تآمرياً يخرجه من نطاق الحوادث المحلية إلي رحاب العالم السري لانتقام أجهزة الاستخبارات الدولية، وتصفية حسابات الدولة العبرية مع خصومها. من مظاهرالإخراج الإسرائيلي التشويقي لمصرع المدعي الأرچنتيني ذلك الاهتمام البالغ بتغطية تطورات القضية والتشكيك في نتائج تشريح الطب الشرعي الذي أعلن وفاة المدعي منتحراً دون تدخل خارجي مع التركيز علي عبارة «عدم استبعاد إجباره علي الانتحار"، والربط الحثيث بين توقيت وفاته قبل ساعات من الموعد الذي كان يعتزم فيه الإدلاء بشهادته أمام لجنة استماع الكونجرس الأرچنتيني حول قضية قديمة كان يحقق فيها قبل عشر سنوات، وأيضاً بعد خمسة أيام من اتهامه لرئيسة الأرچنتين الحالية كريستينا فرنانديز بعقد صفقة مع إيران لحماية بعض المسؤولين الإيرانيين واللبنانيين المنتمين لحزب الله المشتبه في تورطهم بالقضية التي يدور الحديث عنها. القضيةهي تفجيرمركز الجالية اليهودية في پيونس أيريس الذي وقع عام 1994 وأسفر عن مقتل 85 يهودياً. كان الرئيس الأرچنتيني وقتها نستوركريشنر (زوج الرئيسة الحالية) قد أمر نيسمان بإحياء التحقيق في الحادث إذ تعتبر الأرچنتين واحدة من اكبر الدول احتضاناً لليهود في العالم خارج اسرائيل وتبلغ التقديرات بعددهم حوالي 200 ألف يعيش معظمهم في پيونس أيريس. بعد سنوات من التحقيقات المكثفة والمحاكمات الفاشلة وافق أحد القضاة عام 2006 علي طلب نيسمان بإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس إيراني سابق، ووزير خارجيته، وبعض المسؤولين الآخرين، وبالفعل وضع الإنتربول أسماءهم علي رأس قوائم المطلوبين لكن الحكومات تأتي وتروح دون ان يتم تقديم أحد للمحاكمة وهو ما أزعج اسرائيل التي لم يحاكم مسؤول كبير أو صغير منها علي جرائمه ضد العرب. لكن تقريراً في صحيفة هاآرتس العبرية ذكر ان ايران والأرچنتين توصلتا في 2013 إلي اتفاق تشتركان بناء عليه في التحقيق بالحادث، الأمر الذي نظر اليه المتشككون في اسرائيل نظرة ريبة علي اعتبار ان هذا التحقيق من شأنه أن يقوض جهود نيسمان. الرجل نفسه اتهم رئيسة الأرچنتين ووزير الخارجية بتزييف براءة إيران لخدمة مصالح الأرچنتين التجارية والسياسية والجيو- سياسية مع الجمهورية الإسلامية وفي القلب من كل ذلك التبادل النفطي والحبوب الغذائية. الرئيسة تواجه الاتهامات علاوة علي ذلك فقد تمادت الاتهامات الإسرائيلية للرئيسة الأرچنتينية بعدما رفضت طلباً لتل أبيب بالمشاركة في التحقيقات المشتركة مع إيران ولقن وزير خارجيتها يهودي الديانة هكتور تيمرمان السفيرة الإسرائيلية درساً في حدود حق الدولة العبرية في التدخل بالتحقيقات لأنها لا تتحدث باسم يهود العالم، وأن من اختاروا أن يكونوا اسرائيليين توجهوا إلي هناك بالفعل اما الباقون في الأرچنتين من اليهود فإنهم مواطنون من رعايا الدولة الأرچنتينية وهي التي تقوم علي حمايتهم.الصحيفة العبرية وصفت الحادث في إحدي تغطياتها بأنه الفصل الأخير من ملحمة الصراع الخفي بين اسرائيل وإيران. وربطت ربطاً غير مباشر – لا يخلو من مغزي- بين مصرع المحقق الأرچنتيني نيسمان وبين الهجوم الإسرائيلي الذي سبقه بساعات علي قافلة عسكرية في جنوبسوريا أودي بحياة الجنرال دادا الإيراني عضو الحرس الجمهوري وجهاد مغنية ابن القيادي البارز في حزب الله عماد مغنية الذي قتلته المخابرات الإسرائيلية في سوريا. وبدا الأمران وكأن أحدهما رد علي الآخر. الشيئ نفسه حدث في الماضي حين لم يكد يمر شهر علي مقتل السيد حسين موسوي الأمين العام السابق لحزب الله هو وزوجته وابنه الشاب في 2012 حتي وقع تفجير المركز اليهودي في بيونس أيريس وكأنه الرد الانتقامي السريع علي اغتيال موسوي علي يد الموساد. أن تتبادل الأطراف العربية واسرائيل استهداف العملاء وقتل الخصوم أمر مألوف في الصراع، أما ان تتسع دائرته الجهنمية لتحرق كل من يقترب من مواضيعه الشائكة فهذا ما يعد إنذاراً مكتوم الصوت.