قلبي انخلع وأنا أشاهد الصور الأولي التي تحكي عن حرق مقاتلي تنظيم الخوارج الجدد « داعش « للطيار الأردني الشاب معاذ الكساسبة.. لم أصدق ما رأيته، ولكني كنت أمام قرار بشأن نشر الصور علي صفحة بوابة أخبار اليوم، والثانية الواحدة في هذا العمل تعني الكثير. وبعد دقائق جاءنا شريط الفيديو الذي بثه موقع داعشي والذي صور لحظات تنفيذ العملية البشعة.. وهنا كان لابد من اتخاذ قرار هل ننشره أم لا. وانقسمت الآراء حول هذا الأمر، فهناك من قال أن نشر الفيديو سيظهر حقيقة تلك الجماعات الإرهابية الخارجة عن الأسلام الصحيح وسيجمع الناس جميعا حول مشروع مواجهة هذا التنظيم الأرهابي البربري الذي أحل لنفسه ما خصصه الله سبحانه وتعالي لنفسه فقط يوم الحساب الأكبر.. وعدم نشره سيطمس حقيقة وتفاصيل هذه الجريمة البشعة وسيجعل الموقف كله مجرد كلام وسيحرمنا من دليل دامغ وقوي علي شذوذ هذا التنظيم ووحشيته. أما الفريق الذي رأي عدم نشره فقد بني رأيه علي بشاعة التفاصيل بصرف النظر عن القضية السياسية، فشريط الفيديو يوضح تفاصيل مؤلمة وصادمة وبشعة. أما عن الرسالة التي ستوصلها اذاعة هذا الشريط إلي الناس فهي رسالة رعب وترهيب وهو ما يقصده التنظيم حتي نخاف جميعا ويخاف كل من تسول له نفسه الأشتراك في أي عمل ضدهم. بعد جدال طويل قررنا نشر الفيديو الذي حقق في ربع ساعة أكثر من عشرين ألف مشاهدة.. لكننا قررنا رفعه بعد تزايد التعليقات التي طالبت بذلك ، بعدها رفع من كل المواقع في كل العالم. الغريب أن تنظيم الخوارج الجدد المسمي بداعش برر فعلته البشعة بروايات مشوهة وأحاديث مغلوطة وآيات في غير سياقها قالوا أن الخليفة الأول صاحب رسول الله أبابكر الصديق أحرق البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وأن خالد بن الوليد أحرق بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب علي أهلها وقيل أن عليا وخالدا أجازاه وأن الأخير جاء برجل وأحرقه وطبخ علي النار قدرا به لحم فلما نضج أكل منه.. وختموا الرسالة لأتباعهم : «إن أحرقتم فلكم في خلفاء الأمة وصحابة نبيكم سلف، فافعلوا في هؤلاء الكفار ما يزرع في قلوبهم الرعب والهلع ». وردت دار الإفتاء علي فتوي «داعش» الكاذبة بأن هؤلاء الإرهابيين قد ضربوا بالتعاليم الإسلامية ومقاصدها التي تدعو إلي الرحمة وحفظ الأنفس عرض الحائط، وخالفوا الفطرة الإنسانية السليمة، واستندوا في جريمتهم البشعة علي تفسيرات خاطئة لنصوص أو أقوال ليبرروا فجاجة فعلهم. وأن زعم هؤلاء بأن الصحابي الجليل أبا بكر الصديق قد أحرق «الفجاءة السلمي» حيًّا غير صحيح، لأن الرواية باطلة سندها «علوان بن دَاوُدَ البجلي» وهو رجل مطعون في روايته.. كما أن اتهام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس خالد بن نويرة هي رواية باطلة سندها «محمد بْنُ حميد الرازي» وهو كذاب. وشددت دار الإفتاء علي أن المقدور عليه «الأسير» لا يجوز تحريقه بحال من الأحوال حتي لو كان في حال الحرب فكيف بالأسير المكبل؟ وأن التمثيل بالأسري منهي عنه في الإسلام، وقد ورد النهي عن الإعدام حرقًا، وقال النبي صلي الله عليه وسلم مررنا بقرية قد أحرقت؛ فغضب النبي صلي الله عليه وسلم وقال: «إنه لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله عز وجل» نحن اذن أمام اشكالية خطيرة، فريق من مسلمين يبررون عملية حرق الطيار ويعتمدون علي روايات في الأحاديث والتاريخ تجيز لهم وتحلل هذه الفعلة الشنعاء. وفريق اخر يعتبر ما حدث خروجا علي تعاليم وأصول وقواعد الاسلام، ولم تعد القضية هي قتل الطيار الذي شارك في هجمات التحالف علي قواعد داعش، فلو كان قتل في العمليات الحربية فالامر كان سيبدو طبيعيا.. طرف سيكتب : مقتل معتدي، وطرف سيكتب : استشهاد بطل. اذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد واجه علماء الدين ورجال الأزهر بمسئوليتهم عن ضرورة تصحيح المفاهيم الدينية ومحو الصورة السلبية التي أعطاها بعض المسلمين عن الاسلام، واذا كنا قد كتبنا مرارا وتكرارا في هذا الموضوع، الا أن ما تم في هذا الاطار لم يحقق أي نجاح ولم يستطع أن يصحح ولو نقطة واحدة من بحر الكراهية والعنف والدموية والبربرية الذي تفاجئنا به جماعات الخوارج علي مر العصور واخرها بالطبع جماعة داعش. ونتمني أن ينجح المؤتمر الذي دعا اليه الكاتب الكبير ياسر رزق ومؤسسة أخبار اليوم حول تصحيح الخطاب الديني في أن يغير ما في قلوب وعقول هؤلاء الذين انحرفوا بالاسلام، وقلوب وعقول المتربصين بالاسلام .