لعل أكثر ما يلفت الانتباه في الموقف الامريكي والاوروبي تجاه الجريمة الإرهابية التي وقعت في باريس، وما تبعها من ردود أفعال وتداعيات علي الصعيد الفرنسي الداخلي، ثم الاوروبي بصفة عامة، وما تلا ذلك من تأثير وانعكاس علي الصعيد الامريكي،...، هو تلك الإزدواجية الواضحة في النظر الي الامور والحكم عليها والتصرف بشأنها. لقد بدا واضحا ومنذ اللحظة الاولي لوقوع الجريمة، أن هناك تسارعا شديدا وتصعيدا قويا لاتخاذ جميع الاجراءات الأمنية ضد الإرهاب والإرهابيين، وهو ما أدي الي الاستنفار الكامل للشرطة وأجهزة الأمن الفرنسية، ثم اللجوء الي القوات المسلحة ونشر عشرة آلاف جندي وضابط من القوات الخاصة، وغير ذلك من الإجراءات الفورية والمعلنة. حدث ذلك وسط تأييد كامل وترحيب شديد من جانب جميع الدول الاوروبية وكل الزعماء والرؤساء والمسئولين الاوروبيين، وفي ظل موافقة وتأييد وترحيب، من جانب كل الهيئات والجمعيات والمؤسسات الحقوقية الأوروبية والامريكية دون استثناء. وهذا طبيعي ومتوقع في ظل الظروف الاستثنائية التي تعرضت لها فرنسا وحالة الهلع والرعب التي سيطرت علي المواطنين الفرنسيين،...، ولكن ماهو غير طبيعي ان هذه الدول ذاتها وهؤلاء المسئولين أنفسهم، وتلك الهيئات والجمعيات والمؤسسات الحقوقية الاوروبية والامريكية، هي ذاتها التي اتخذت طوال الشهور الماضية موقفا مختلفا تجاه مصر، وما اتخذته من اجراءات أمنية ضرورية في مواجهة الجرائم الارهابية التي تتعرض لها. ذلك التناقض الواضح في الموقف الاوروبي والامريكي بصفة عامة تجاه الحادث الارهابي الذي وقع في فرنسا، وموقفهم تجاه الهجمة الإرهابية الشرسة التي تتعرض لها مصر، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك الكيل بمكيالين أو بأكثر من مكيال، وينم في ذات الوقت عن البعد الكامل عن العدالة في الحكم علي الامور،...، بل والاسوأ من ذلك انه يؤكد التورط الاوروبي والامريكي الكامل، فيما تواجهه المنطقة العربية كلها من إرهاب ومحاولات متكررة ومستمرة لإثارة الفوضي والعنف والانفلات وعدم الاستقرار. ولعل النماذج الاكثر وضوحا علي ازدواج او تعدد الموقف والنظرة الاوروبية والامريكية تجاه الإرهاب وجرائمه، وكيلهم بمكيالين أو بأكثر من مكيال في هذا الشأن، اذا ما تعلق الامر بمصالحهم او مخططاتهم، أو أمنهم القومي وسلامة دولهم، قد ظهر جليا في الموقف البريطاني وما أعلنه رئيس الوزراء «كاميرون» في هذا الشأن. «وللحديث بقية»